18 أبريل 2012

عن ايامي الحلوة و العادية و السودة و المختلفة

بقلم / فاطمة إمام

لاني عندي مشكلة في ان الناس لما تتكلم عن البلد ما تفتكرش غير النخل و النيل و البيت القديم و الارض ... و لاني ما اعرف عن النوبة الا ناسها ...فقررت اكتب عن ناس البلد ...عن النوبيين ...
انا اتولدت في القاهرة و صحيح انا من بنات العاصمة الا اني اتولدت في كوميونة نوبية جدا ...بيتنا كله نوبيين ...انا عايشة في عمارة مع عماتي و ولاد عماتي ...فعادي جدا اني اصحي الصبح اسمع عمتي سيدة الله يرحمها بتناده علي عيل من العيال الصغيرة بالنوبي و انا واثقة تمام الثقة ان العيال فهمت اساميها و بس . بس و شوية و ماما بتطبخ و لا بتنضف تشغل الكاسيت علي اغاني نوبي و انا اقعد الف وراها و انا بارقص ..او هي تسيب اللي في ايديها و ترقص معايا .
انا اصغر من كل ولاد عماتي و هما عندهم ولاد من دوري انا و اخواتي ..عشان كدة حضرت افراحهم كلهم و دي كنت من ايامي الاكثر سعادة ...مش بس فكرة الفرحة اللي كله رقص و غنا ...لا كمان سيطرتي علي بلكونة بيتنا و عدم سماحي للعيال الغلسة انها تتفرج من عندنا ...لان اغلب الافراح او علي الاقل الحنة بتتعمل في الشارع .
انا فاكرة ان من احلي المناظر اللي ثابتة في ذاكرتي هي صفوف الاراجيد و هي بتتحرك في نظام و عكس بعضها و بتشكل صورة بديعة و الستات بهدومها الملونة و شكل العصيان الملونة المربوط عليها شرايط ملونة و ريح العطور اللي بتترش علي اللي برقصوا . المشهد بجد مش بس مبهج ...التراص و الانسجام في الحركة دلوقتي بيحسسني ازاي اننا جماعة متماسكة رغم كل محاولات تقطيع الاواصر اللي بيننا . و كنت برضه لاني متمردة بطبيعتي باتغاظ جدا من عمتي صليحة اللي ماسكة عصايا ساعات و كرباج ساعات و بتنظم الصفوف و بتهش العيال عشان الصفوف تبقي منظمة و انا طبعا مش من اللي بيتهشوا و كرامتي كانت نتأح عليا من المعاملة دي . و اجري اشكي لماما .
كنت بافرح اوي و احنا شايلين الحنة و بنلف الشوارع اللي جنبنا و الجيران تصقف و تزغرد تفاعلا مع الحنة ....حتي لو مش فاهمين كلمة من اللي بيتقال .

دة في الفرح ، في الايام العادية كانت اكثر حاجة باحبها ستي ام ستي فاطمة اوش الله .... كانت فوق التمانين و فقدت بصرها في اخر عشر سنين ...كانت احلي حكاءة في التاريخ ..و طبعا بغض النظر عن العربي الغريب بتاعها بس حكاياتها كانت علي طول حلوة و كنت باحب اوي لما يجي خالي كامل ، ابن اخوها و تقعد ترطن معاها بقي بالنوبي و تحضنه و تقول له انت اللي فاضل من الغاليين و انا ابقي مبسوطة لا ستي مبسوطة عشان شفته ...حتي لو بقلبها . و انا و بنات خالي كان لنا دور فعال في محاولة لتحسين العربي بتاع ستي ... للي لما كانت تزهق من حصص العربي بتاعتنا تقول " باعرفي الفاتحة و الصمدية ...كفاية " .
و كمان في الايام العادية ...اتعلمت في بيتنا ان من جد وجد ، امي و ابويا اللي جايين من اصول اجتماعية شديدة البساطة، شقيوا في دنيتهم عشان يوصلوا للي وصلوا له ، و كان التعليم هم المحرك للانتقال الطبقي في عيلتنا كلها ، و انا كمان امنت بالفكرة دي و كتير من النوبيين ، عشان يحققوا حياة افضل لهم و لولادهم شقوا طريقهم بايديهم في قلب الصخر . و اللي لسة بيبهرني في امي مثلا مش بس انها مرتبطة باهلها و عمر نفسها ما كبرت ، الا انها دايما بتفتكر الماضي رغم قسوته الشديدة انها ايام راحة البال و ان كفاية ان اللي الناس اللي كانت بتحبهم كانوا موجودين قبل ما يقابلوا وجه كريم.
و جنب الفرح و جنب الايام العادية كمان في الايام السودة ، و لعل اسود ايامي ...لما ابويا مات ... لسة فاكرة عيون ولاد عمتي اللي مش بس مفزوعة بس مش عايزة تصدق ...لسة فاكرة عمتي سيدة الله يرحمها و هي بتندب بالنوبي ..و كل اللي فهمته منها اسم ابويا ... امام.. و عمي عباس اللي ربي ابويا و اللي طول عمره اكثرنا تماسك و هو بيصرخ و ابويا ..بيدخل القبر ... اعيش ليه و امام في التراب . يومها شفت عشرات العمات و الخالات و لم يتوقف توافدهم لغاية الاربعين . دة غير اللي قطعوا مصر من اسوان للقاهرة بس عشان يجييوا يواسونا

دي الايام الحلوة و العادية و السودة و في كمان الايام المختلفة و دي اللي كانت هناك في البلد ..... انا روحت اسوان كتير ...بس نصر النوبة مرتين بس تقريبا ... المرة الي فاكراها في 2006 ... كنت رايحة احضر فرح و لفيت بقي روحت ابو سمبل و اتهوست من منظر النيل قرب المعبد و روحت ابريم قريتي و كمان بلانة و توشكي بلد امي ...كنت سعيدة و سعيدة اني باكتشف عالم جديد...اكتر حاجة فكراها رغم اني كنت منزعجة منها ....اني طول ما انا ماشية في ابريم ....العادي اني باصة قدامي ....الناس كانت قاعدة علي المصاطب بعد المغرب في الهواء .... بقوا يوقفوني انت من ... بنت مين ؟؟ و انا جوايا ام التحقيقات بقي ... و ينتهي الحوار دايما انا عمتك يا بنتي و لاني غبية ...كنت باسأل ازاي و يشرحوا بقي ...خد عندك بقي نص ساعة شرح و بعدين بوس كتير بقي و تنده عيالها يسلموا .... مرة مثلا و انا في بلانة عند ولاد عم ابويا واحدة من بنات عم ابويا باستني ما لا يقل عن 16 بوسة و انا هنجت و زقتها بالراحة و هي حسيت ان اتوترت و بصت لي بكل الود اللي في الدنيا و قالت لي انت بنت اخويا الغالي .
اه نصر النوبة مكان مقبض جدا ...بس انا حبيت الروح و الناس الودودة و الامان .
دة ملخص عن ايامي


هناك تعليق واحد: