بقلم الأستاذ/ عبد الرحمن طه
(أخصائى اجتماعى نوبى عاش فى الموطن والمهجر)
(أخصائى اجتماعى نوبى عاش فى الموطن والمهجر)
مرت 48 عاما على تهجير
أهل النوبة من قراهم فى 18 أبريل عام 1964 ألى صحراء كوم امبو و التى كانت تسمى بوادى
الجن.
مستعيدا الذكريات..
هل كانت هجرة سعيدة أم مؤلمة؟؟؟
فقد خرجنا من مجتمع
مهمش و مهمل الى صحراء بعيدا عن الوادى و مناخه و عادات سكانه و ذلك لتنفيذ مشروع اقامة
السد العالى لخدمة أهل الشمال و امدادهم بالماء و الكهرباء. و كأنه مكتوب على النوبيين
أن يتحملوا وزر اقامة السد و من قبل اقامة خزان أسوان و تعليته ثلاث مرات. اهتمت الدوة
بانقاذ المعابد و التماثيل و أهملت البشر و أسكنتهم فى مكان لا يتناسب مع عاداتهم و
تقاليدهم و ظروف المعيشة التى تعودوا عليها؛ فخرجوا من نقرة الا همال فى بلادهم الى
حفرة الاقامة فى صحراء كوم امبو رغم انفهم فى وقت لا ينفع فيه الشكوى و لا البكاء-
و فى عجالة اجتزت من الذكريات- مواقف عشتها كشاهد عصر سواء كانت فى توشكى أو مهجر كوم
أمبو.
كان النوبيون يعيشون
فى بيوت واسعة و تقع أراضيهم الزراعية امام البيوت و كذلك النخيل و مجرى النيل أمام
اعينهم و تكاد تكون ظروف الناس متساوية فيتساوى العمدة مع الفقير. يزرعون الذرة العويجة
بالصيف و القمح بالشتاءفة ملكية صغيرة آلت اليهم من السلف؛ و كذلك محصول البلح. و كانت
بالكاد تكفي للاستهلاك الأسرى و لم تكن زراعة مستقرة من عامل غرق المحاصيل الزراعية
و انسحاب المياه عن المحاصيل الشتوية نتتيجة قفل بوابات خزان أسوانو ارتداد المياه
لتصبح البلاد مخزن للمياه و تنكسر الجسور الترابية و فجأة نجد أن المياه و قد جرفت
الأراضى و المحاصيل قبل أن يتمكن الأهالى من جمعها لتصل المياه الى المنازل لتزيد معاناتهم.
كانوا يزرعون المحاصيل الشتوية فى مناخ شديد البرودة دون جدوى بعد أن تجف اعواد القمح
و سنابلها قبل النضوج لانسحاب المياه عنها ليخسروا بذلك. و تعويضات الدولة تصل بعد
مدة ليست بالقصيرة وبمبالغ ضئيلة تاركة اياهم فى الجوع و الحرمان مما أدى الى فقدان
الثقة فى الزراعة و اتجاه تفكيرهم الى الريف المصرى فى الشمال و يمنونة انفسهم بالسفر.
و لم يعرفوا فى ذلك ال أوقت لا القاهرة و لا الاسكندرية و انما الريف المصرى الذى علافوا
عنه من كتب المطالعة و يزدادون شوقا للسفر كلما شاهدوا الباخرة المتجهة الى الشلال.
و السؤال الذى يطرح
نفسه...هل النوبيون مزارعون؟؟؟؟
الاجابة نعم.. و الدليل
على ذلك أنهم كانوا يستيقظون مبكرين و يصطحبون أبناءهم ليزرعوا أراضيهم.الرجال و النساء
و الاطفال يزرعون و تنطلق الحيوانات تقتات من حشائش الأرض ليستعيدوا صحتهم بعد معاناة
الجزع التى تصل اليهم أيضا. و فى تحدى للظروف تستمرالحياة طبيعية رغم قسوتها فى ظل
عدم الاستقرارحتى فقدوا الثقة فى الزراعة و اتجهوا الى العمل فى الشمال باحثين عن الرزق
ليعترضهم حاجز اللغة و الثقافة.
وعن التعليم لم يكن
هناك سوى مدرسة ابتدائية واحدة فى قرية عنيبة و باقى البلاد بها مدارس الزامية و يلتحق
خريجى المدارس الالزامية بالمدرسة الابتدائية بعد اجتياز اختبارات صعبة و ذلك لتقليل
عدد المقبولين حيث أن معظم التلاميذ يلتحقون بالنظام الداخلى لبعد المسافة مما يقلل
من فرص التعليم. و من يرغب فى التعليم عليه أن ينحت فى الصخر حتى ينال الشهادات العليا
فى ظل السياسة التعليمية السيئة. و حظيت الفتيات بالنصيب الأكبر من المعاناة فلم يكن
من السهل عليها استكمال تعليمها فى تلك الظروف رغم وجود المقومات اللازمة لديهن من
ذكاء و عزيمة.
و فى الصحة أهملت
البلاد حيث لا يوجد مستشفيات و لا وحدات صحية. و اعتمدوا على وحدة صحية متنقلة على
باخرة و بها طبيب واحد تجوب البلاد من الشلال الى حلفا مرة واحدة فى السنة. و فقد العديد
و العديد من النوبيين حياتهم نتيجة عدم وجود العناية الطبية اللازمة.
و نصل الى الأمن فنجد
أن بلاد النوبة كانت مستقرة أمنيا خالية من الاشتباكات و السرقة و القتل و لم يتم الابلاغ
عن حوادث فى مركز شرطة عنيبة حتى الهجرة. و الخلافات ان وجدت كانت تحل بمعرفة كبار
العائلات بطريقة العرف و التقليد. و توارثوا ذلك الجيل بعد الجيل و لذا عرفوا بصفى
الأمانة و المحبة.
و لكن تصورى اذا ما
بقى الحال على ما كان عليه و استمرت حالة الاهمال و التهميش و اسمرت هجرة الشباب الى
الشمال كانت الأوضاع ستزداد سوءا اذا لم يتم الاهتمام بالتعليم و الزراعة و الصحة و
تيسيرسبل الحياة.
و ننتقل بعد ذلك للحياة
فى مهجر كوم أمبو الذى هجرنا اليه دون رغبتنا و لا يستطيع أحد فى ذلك الوقت أن يبدى
رأيه فكان مكتوب علينا العيش على أرض ليست كأرضنا.
أرادت الحكومة أن
تكون المساكن على نمط مساكن القرية و لكنها ضيقة و شيدت على أرض طفلية تعرض البيوت
الى التصدع باستمرار و تكلف الكثير لاصلاحها دون جدوى لتعاود التصدع مرارا. و لم يراع
آنذاك أن الأسرة ستتكاثر و تنتج نزاعات بين افراد الاسرة لعدم وجود أماكن للتوسعات
العمرانية. و ظهرت مشكلات بناء منازل للمغتربين ممن سافروا للشمال للعمل الذين وعدتهم
الحكومة ببناء مساكن لهم.
و لا شك أن التعليم
و الصحة قد شهدوا تأثرا كبيرا بنهضة تعليمية و ثقافية حيث أنهم اقتربوا من المدينة
التى بها خدمات و سهولة المواصلات التى كان لها تاثير ايجابى. و قد اتيحت الفرصة للفتيات
للتعليم و يسرت لهم الحصول على اعلى الشهادات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق