18 أبريل 2012

فى نعى الوطن والنهر والناس

بقلم / مصطفى الشوربجى 

جرت العادة ومن قديم الزمان على أن يتنقل الإنسان من مكان إلى مكان . من مسقط رأسه لعالم اخر. من موطنه إلى مواطن جديدة بحثاً عن الرزق وسبل العيش وأستكشاف العالم وعمارة الأرض .. فيرحل عن موطنه الأصلى لموطن أخر , فى هذه المعادلة يكون الأنسان هو المتغير والمكان هو الثابت بمعنى ان الانسان هو من ينتقل ويرحل ويغادر والمكان باق سواء الوطن الراحل عنه أو الواطن الجاى ليهو .
إلا فى قصتنا هذه .. فقد إنكسرت تلك المعادلة وتبدلت أطرافها . وأصبح الوطن هو المتغير و الأنسان هو الثابت .
الوطن هو منّ رحل .. الوطن هو منّ غادرنا .. الوطن هو منّ مشى عنا وغاب ..
وأختلفت الأسباب وإن تشابهت . فالوطن ذهب ليس بحثاً عن رزق و سبل العيش ولكن لزيادة الرزق وتحسين سبل العيش .. هكذا قالوا لنا

الوطن والنهر
كان وطننا يعيش على ضفة جاره ورفيقه النهر عبر الآف الأعوام .. كانت تتراوح علاقتهما بين مد وجزر بين تقدم وانحسار كانت علاقة تشوبها المداعبة و تبادل المزاح , فى الصيف يبدأ النهر فى قضم جسد صاحبه ويأتى الشتاء ويأتى دور الوطن ويبدأ فى التغول ومحاصرة النهر .. وأستمرت العلاقة هكذا بين كر وفر صيفاً وشتاءاً فى تلك الايام الخوالى من أعمارهم المديدة .
حتى جاءت أيام خبيثة , وأصابت النهر شهوة عدوانية ونوبة جنون عاتية فأبتلع فى لحظة مشئومة من عمر الزمان جاره بالكامل و للأبد
لم يدرك النهر ماذا فعل طوفانه . فقط نظر حوله ولم يجد الوطن . لم يجد الجار والرفيق . ثم تحسس أحشاءه فأدرك فعلته الجنونية ..
تحسس شواشى النخيل وهى تتخبط داخله بفعل تياراته . تحسس البيوت و المصاطب والحقول وهى راقدة بداخله . سمع أصوات أصحابه وأحاديثهم و نمّاتهم وضحاكتهم فى ليالى الصيف الرطبة يتردد صداها بين جوانحه . ثم كانت الصدمة الكبرى حين أدرك انه بات قبراً كبيراً جامعاً لقبور أحبائه ورواده الذين تبركوا به دوماً فى حزنهم وفرحهم . أصابته لوثة . انتفض النهر حزناً وجزعاً وراودته اوهام العز القديم والجبروت الماضى وهب يقوم صائحاً فى هلع . أراد أن يصرخ وينعى رفيقه وأحباؤه فأصطدم بجدار أسمنتى قبيح .. فتكسرت سواعده وصرخاته علي الجدار .. وكانت هزيمته .. وكان إدراكه أنه وكما قضى على رفيقه فإنها نهايته ايضاً فمضى بعد الجدار شائخاً منكسراً مهزوماً يجتر امجاد ماض تليد وفيض عارم وشباب طاغ .

الناس ..
ويبدو أن النداهة قد أختارتنا دون عن باقى البشر فبدأت بالنهر الذى قضى على الوطن فمات النهر وإن عاش و ذهب الوطن ثم جاء دورنا
مضينا نحن أيضاً . فقدنا موطنّا ونهرنا . لم نختار الرحيل ولكن اختار الوطن أن يرحل وعندما تقرر الأوطان الرحيل فإنها ترحل وهى لا تعلم إنها تأخذنا معها . تأخذ أرواحنا وأصوتنا واحلامنا وذكرياتنا . فنبقى أجساد ... أجساد فقط بلا أرواح


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق