15 فبراير 2010

مائة عام من الآحزان النوبيه


بسم الله الرحمن الرحيم
مائة عام من الأحزان النوبية

من كتيب تم إعداده بواسطة مجموعة من النشطاء في العمل النوبي العام

جغرافية المنطقة النوبية

في مطلع القرن العشرين كانت بلاد النوبة تتكون من 39 قرية على امتداد 350 كيلومترا جنوب أسوان حتى خط عرض 22 (وادي حلفا) على ضفتي النيل شرقا وغربا .


وتتكون القرى النوبية من مجموعات متباعدة من المساكن تفتح أبوابها على نهر النيل، وامتدت تلك المساكن في نجوع بلغ مجموعها 535 نجعا (مرجع 4 ص 42) .
وتميزت مساكن النوبة عن غيرها من المساكن بالمناطق الأخرى في عدة وجوه أهمها ارتباطها باختيار أماكن البناء على مستويات الأرض ذات الطبيعة الصخرية، إذ تتدرج الأراضي في الانخفاض من الشرق والغرب نحو النيل، فكان من الطبيعي أن تجد غرف البيت الواحد على اتساع المساحة المقامة عليها تتفاوت في ارتفاعاتها ليسمح بوجود تيارات هوائية، ويبلغ ارتفاع الجدار حتى أربعة أمتار، ونظرا لطبيعة المناخ الجافة الحارة فإن العمارة النوبية تواءمت مع البيئة وتميز هذا التشييد بوحدة أساسية هي الحوش السماوي الذي تفتح عليه حجرات

البيت



إنشاء خزان أسوان (1902م) :

عند انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902 ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلى 106 أمتار ليغرق مساكن وأراضي زراعية وسواقي ومزروعات ونخيل وأشجار عشر قرى نوبية هي : دابود ودهميت وأمبركاب وكلابشة وابوهور ومرواو وقرشة وكشتمنة شرق وغرب وجرف حسين والدكة ، (مرجع 4 ص 23) . واجهت تلك القرى العشر آثار بناء الخزان وحدها دون أن تنال اهتماما رسميا أو إعلاميا في ذلك الوقت .
التعلية الأولى للخزان (1912م) :

لم تلتئم بعد جروح أبناء النوبة من أثر بناء الخزان، فإذا بكارثة التعلية الأولى للخزان تتسبب بطوفان جديد عام 1912، ليرتفع منسوب مياه الخزان إلى 114 مترا ويتسبب في إغراق ثماني قرى نوبية أخرى هي قورتة والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترومة. ومرة أخرى استخفّت الدولة بآلام النوبيين وكارثتيهم، ولم ينصف أحد هؤلاء النوبيين المنكوبين وكأنهم خارج نطاق المواطنة، كما لم تتناول وسائل الإعلام كارثتهم وما حل بهم، حتى السياسيون والأحزاب المختلفة في ذلك الوقت لم يلتفتوا إلى تلك الكوارث التي تحل بالنوبيين جنوب مصر .
التعلية الثانية عام 1932م:

النوبيون الذين فقدوا كل ما يملكون من حطام الدنيا وأصبحوا منكوبين قولا وفعلا، فاجأتهم التعلية الثانية للخزان عام 1932 فأغرقت مياهها هي الأخرى عشر قرى نوبية هي المالكي وكروسكو والريقة وأبوحنضل والديوان والدر وتوماس وعافية وقتة وأبريم وجزيرة أبريم، بينما أضيرت بقية القرى النوبية الإحدى عشرة الأخرى وهي عنيبة ومصمص والجنينة والشباك وتوشكى شرق وغرب. حينئذ ارتفع أنين النوبيين بالشكاوي. وبعد أكثر من ثمانية عشر عاما من بناء الخزان،


بنود مجحفة ونخطي إجراءات قانون نزع الملكية

أصدرت الدولة القانون رقم 6 لسنة 1933 الخاص بنزع ملكية أهالي النوبة وتقدير التعويضات اللازمة لمواجهة كوارث أعوام 1902 و 1912 و 1932، إلا أن القانون حفل ببنود مجحفة في حق النوبيين، منها ما تم رصده في مذكرة النادي العربي العقيلي عن تعويضات منكوبي خزان أسوان والتي أرسلت إلى مجلس الشيوخ بتاريخ 16 صفر 1363هـ 12 فبراير 1944 ميلادية
وقبل أن نبين لحضراتكم الأساس الذي قام عليه تقدير التعويضات، نرى أنه لابد من ذكر القانون رقم 6 لسنة 1933 الذي لجأت إلى إصداره حكومة ذلك العهد متخطية الإجراءات العادية التي ينظمها قانون نزع الملكية العام، وذلك لحاجة في نفس أعضائها. وقد أبان عنها معالي شفيق باشا وزير أشغال ذلك العهد عند عرض ذلك القانون على مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933 إذ قال معاليه "أنفقت مصر الملايين على إنشاء خزان أسوان وتعليته وكل حضراتكم متشوق إلى زيادة المياه وآمالنا الآن الطريقة لتخزينها فلو أننا انتظرنا خمس سنوات حتى تتم إجراءات نزع الملكية بالطريق العادي لحرمنا إذن مصر من المياه حرمانا مادياً بدون مبرر.
فاتباعنا القانون العادي في إجراءات نزع الملكية هو حرمان مصر من المياه طول هذا الزمن.. وإذا مكننا القانون المذكور من وضع اليد في الحال على الأطيان فانه لا يمكن لا للقضاء ولا للخبراء ولا أصحاب الشأن من معرفة معالم الأرض بعد غمرها في نوفمبر المقبل".
فرد عليه شيخ أغضبه تبرير الوزير لهذا القانون قائلاً "أين كنت مدة الثلاث السنوات الماضية حينما تقررت التعلية؟ لم لم يعمل هذا من قبل وهل تنطبق السماء على الأرض لو أجلنا إملاء الخزان للمنسوب الجديد سنة أخرى وقد مضى علينا ثلاثون سنة على هذه الحال؟"


التعسف في تطبيق القانون

والقانون المذكور قضي بنزع ملكية المناطق المنكوبة "النوبية" بأجمعها ولم يترك للمنكوبين فرصة للمعارضة في تقدير التعويضات إى فرضتها الحكومة تعسفاً إلا مدة 15 يوماً وهي مدة قصيرة لم يتمكن إلا الكثيرون خلالها من الاطلاع على مقدار تعويضاتهم هذا فضلاً عن جهل أغلبية الأهالي بطرق المعارضة في التقدير حتى أن الكثيرين منهم لم يعلموا بذلك الطريق القانوني للمعارضة إلا بعد فوات ميعادها (مرجع 5 ص 27).

توازى سلسلة المظالم على النوبيين مع تعويضات هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع. ولنبين فضيحة تلك التعويضات نقرأ ما كتبه الأستاذ محمد مراد سنة 1947 ميلادية ( ألقى المغفور له الأستاذ عبد الصادق عبد الحميد بياناً في مجلس النواب أثناء نظر ميزانية وزارة الأشغال سنة 1936 دلل فيه على أن التعويض مع كثير من التساهل والتجاوز كان يجب أن يقدر بمبلغ 3600000 ثلاثة ملايين وستمائة ألف جنيه، على حين أن الحكومة قدرتها بمليون وسبعمائة ألف ثم خصمت منها حوالي نصف مليون بأساليب جهنمية ولا يزال من هذا المبلغ بقية في ذمة الحكومة إلى اليوم وذلك بفعل موظفيها الذين يريدون التنزه كل عام في بلاد النوبة وجوها البديع في الشتاء مع التمتع ببدلات السفريات). (مرجع 5 ص 25).
ولنبين كيف يستهين الموظفون بالنوبيين ولا يعتبرونهم مواطنين مثلهم، نستمر في نقل ما كتبه الأستاذ محمد مراد، فحين قرر وزير الأشغال عام 1944 توزيع 406 فدان على بعض المنكوبين النوبيين في ناحية القرنة البعيرات اعترض الموظفون وكتبوا مذكرة قائلين فيها (أن هذه الأطيان أجود من أطيان بلاد النوبة وأن التعويض يجب أن يكون مماثلاً) (مرجع 5 ص 23). هذا هو أسلوب موظفي الحكومة كباراً وصغاراً تجاه النوبيين الذين ضحي بهم في سبيل عموم مصر، لم يقدر مسئول منهم أن هؤلاء البشر أخرجوا من ديارهم وأوطانهم وأنهم في حالة بائسة.

هذه المظالم تم تجاهلها من قبل أصوات كانت تنادي آنذاك بالاستقلال والحرية والمساواة لمصر، مما زاد من المرارة والشعور بالهوان لدى النوبيين. مع التجاهل التام

المطالب النوبية فى البرلمان


وإزاء تلك المحنة، انتقل النوبيون إلى سفوح الجبال ليبنوا مساكن لهم على طول نهر النيل، فاستنزفت تلك المساكن الجديدة أكثر مما أخذوه من تعويضات سخيفة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التي غرقت. وفي عهد حكومة مصطفي النحاس عام 1936

كان أول مطلب للنوبيين حمله نائب النوبة في البرلمان: عبد الصادق عبد المجيد بعد الانتخابات، هي أعاده النظر في التعويضات التي صرفت للأهالي ومنح أبناء النوبة أراضى صالحة للزراعة شمال أسوان وجنوب قنا بدلا من الأراضي التي أغرقها مياه الخزان؛ والجدير بالذكر أن مصطفي النحاس قال عند إلقائه خطاب العرش في تلك الدورة البرلمانية (وستعمل حكومتي على إقامة مشروعات للري في بلاد النوبة تعويضا عما فقدوه وتقديم كافة الخدمات لأهلها).

ونتيجة لشعور النوبيين بتشعب مشكلتهم وأهمية منطقتهم وحيويتها لأمن وادي النيل الإستراتيجي وخاصة لمصر وضرورة أستقرارها؛ تقدم النائبان النوبيان في البرلمان عام 1947:سليمان عجيب وشاهين حمزة باقتراح مشروع ربط سكة حديد مصر والسودان بتكلفة 4 مليون جنية، ولم تأخذ الحكومة هذا الاقتراح بمحمل الجّد؛ وهكذا تم فصل السودان عن مصر كما هو معروف فيما بعد.

تغيرت البيئة النوبية نتيجة لزيادات منسوب النهر المتتالية فتحولت إلى بيئة تنتشر فيها الأمراض والأوبئة مثل التيفود والدفتريا والحمى والملاريا والبلهارسيا، وهلك الكثير من النوبيين نتيجة سوء التغذية وانعدام الخدمة الصحية،


ظلم البيروقراطية عام 1960:

ومرة رابعة، بدأت بشائر طوفان جديد، ففي بداية عام 1953 بدأت الدولة تجري دراسات حول مشروع السد العالي من كل جوانبه الهندسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي إطار تلك الدراسات أجرت وزارة الشئون الاجتماعية مسوحات سكانية واجتماعية للنوبيين عام
1960


يتضح منها الآتي:
•إجمالي تعداد النوبيين 98609 نسمة (ثمانية وتسعون ألفاً وستمائة وتسعة)

•المقيمون منهم 48028 نسمة (ثمانية وأربعون ألفاً وثمانية وعشرين)

•والمغتربون سعيا وراء توفير لقمة العيش 50581 نسمة (خمسون ألفاً وخمسمائة واحد وثمانين)

•أما عدد الأسر المقيمة بالنوبة فبلغت 16861 نسمة (ستة عشر ألفاً وثمانمائة واحد وستون)

•الأسر المغتربة 8467 نسمة (ثمانية آلاف وأربعمائة سبعة وستون)

دراسة مستقبل المنطقة
ثم تشكلت بعد ذلك لجان لمواجهة الآثار الجانبية لمشروع السد العالي، ودراسة مستقبل المنطقة بقراها التسع والثلاثين وسكانها المائة ألف وما يملكون من أراضي زراعية ومساكن ومواشي وحياة استمدت كينونتها مقبل التاريخ بآلاف السنين. بلاد مترعة بالتراث النوبي الحافل بالعديد من الحضارات التي عاشتها المنطقة منذ العصر الحجري وحتى الآن كما بينا سابقا .
وباستقراء الإحصاءات السابقة يتضح أن نسبة الأسر النوبية التي تعيش بعيدا عن موطنها نتيجة لإفقار المنطقة من أثر بناء الخزان وتعليتيه بلغت 5ر33% هاجرت بالكامل وأن 5ر28% من الأسر هاجر بعض أفرادها. كما تبرز إحصائية وزارة الشئون الاجتماعية أن نسبة السكان النوبيين من ذوي المهن بلغت 23% من إجمالي تعداد النوبة، في حين نجد أن نسبة 7ر26% من ذوي المهن في مصر عموما في ذلك الوقت،
توزيع نسب النوبيين


وتتوزع نسبة النوبيين من ذكور وإناث على المهن على الوجه الآتي :

خدمات صناع نقل محاجر زراعة إدارية وكتابية تجارة مهن علمية النوع
9,8 5 4,6 - 71 3,3 3,1 3,2 ذكور %
2,1 1,4 - - 96 - - - إناث %
7 3,6 2,9 - 80,3 2,1 2 2 تعداد مصر

ويتضح من الجدول السابق أن نسبة المشتغلين بالزراعة من النوبيين أعلى من النسب على مستوى الجمهورية. والغريب أن نسبة المهاجرين النوبيين من قراهم المشتغلين بالزراعة لم تزد عن 1% من إجمالي النوبيين العاملين بالزراعة. (مرجع 4 ص55). هذه الملاحظة تدحض الكثير من المزاعم التي روجها المغرضون في السابق والحاضر من أن النوبيين لم يشتغلوا بالزراعة. فهذه الإحصاءات بينت أن النوبيين فلاحون أصلاً، وأن ضياع مهنة الفلاحة منهم سببها غرق أراضيهم وفشل المسئولين في إدارة عملية التهجير وعدم تفكيرهم في إعداد

النوبيين لبيئتهم الجديدة.

وليداري الموظفون فشلهم، اخترعوا الأكذوبة التي روجوها بأن النوبيين غير مزارعين وفاشلين في فلاحة أراضيهم التي تسلموها في التهجير. والفاشلون هم، والكاذبون هم.




صدمة التهجير 63/1964:

واصلت الدولة تنفيذ مشروع السد العالي، وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، أما النوبيون كبشر ومواطنين وهم الذين تعايشوا مع هذه الآثار فجاء حظهم العاثر في ذيل اهتمامات الدولة والمجتمع الدولي، فتم ترحيلهم على عجل إلى هضبة كوم أمبو وإسنا، إلى منطقة لا نهر فيها ولا إرث ولا تراث. بقي معهم ما حمل وجدانهم من عشق لوطن فقدوه تحت مياه السد العالي. تم ترحيل النوبيين دون ما أية دراسات تأخذ في الاعتبار آدميتهم وتاريخهم ونضالهم وتضحياتهم في سبيل الوطن.



هكذا تم ترحيلهم عشوائياً وفقا لجدول زمني مختزل سريع، رغبة في إخلاء بلاد النوبة قبل 15 مايو 1964 موعد تحويل مجرى نهر النيل، فترك معظم النوبيون الكثير من متاعهم في الوطن المهجور وحشروا في صحراء كوم أمبو وإسنا في مساكن خالفت المساكن التي ألفوها وخلافا للمسكن النموذجي الذي وعدوا به وشاهدون قبل عملية التهجير. بالإضافة لعدم تواجد مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، مع استحالة تربية مواشي وطيور وهي تمثل أهم عناصر الحياة والدخل بالنسبة للمواطن النوبي المزارع؛ وبالتالي تعذر نقل هذه الحيوانات معهم إلى المهجر الجديد؛ في حين ان إخوانهم النوبيون السودانيون وأبناء عمومتهم فعلا لا قولا أثناء هجرتهم إلى خشم القربة(مهجرهم الجديد)
خصصت الحكومة السودانية لكل قطار مصاحب لأفواج المهاجرين طبيبا بيطريا لرعاية حيواناتهم الزراعي

المشاكل والابتلاءات المصاحبة للتهجير

تكررت مأساة أشد هولا مما حدث من ربع قرن مع بلاءات خزان أسوان، فلا المساكن الجديدة استكملت ولا الأراضي الزراعية استكمل استصلاحها ولم تسلم للنوبيين إلا بعد مرور من أربع لخمسة سنوات، وأصيب الأطفال بنزلات معوية وفقد الكثير منهم حياتهم، والشيوخ أصيبوا بالاكتئاب نتيجة اختلاف المناخ وصعوبة ملاءمة المنطقة لأسلوب ونمط معيشة النوبي فمات منهم الكثير.
عذر أقبح من الذنب

كانت حجة الحكومة بموظفيها والتي حاولت لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من مجلس الأمة في مضبطة 5 يناير 1970 ملحق 6، أن ضخامة المشروع السبب في كل العيوب مع عامل الزمن وضيق الوقت. نفس الحجة التي هي أقبح من ذنب، والتي ادعاها وزير الأشغال مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933، أي قبلهم من سبعة وثلاثين عاماً كاملة. ومازالت التبريرات غير المقبولة مستمرة ومازالت الاستهانة بالنوبيين قائمة.


يقول إبراهيم عبد الرسول (مرجع رقم 1 ص 39) (الشئون الاجتماعية تصرف مبلغ ثلاثة جنيهات كمعاش شهري للأسرة النوبية المهجرة، هذا المبلغ لا يكفي لتغذية ما لدى الأسرة من ماعز وأغنام، حيث وصل سعر ربطة البرسيم في ذلك الوقت عشرة قروش).
الشروط المبرمة مع الدولة

ارتضى النوبيون بالهجرة إلى كوم أمبو وإسنا وفقا لشروط أبرموها مع الدولة تتلخص في أرض زراعية بالنوبة مقابل أرض زراعية بالمهجر ومسكن في النوبة مقابل مسكن بالمهجر، طبقاً لما شاهدوه وعاينوه قبل الهجرة في أسوان كمسكن نموذجي. وبناء على تلك القاعدة القانونية قرأ النوبيون كافة القرارات والقوانين التي صاحبت عملية التهجير، وعلى الأخص قرار رئيس الجمهورية بمرسوم القانون رقم 67 لسنة 1962 في شأن نزع ملكية الأراضي التي تغمرها مياه السد العالي، وكذلك القرار الوزاري الذي أصدرته الشئون الاجتماعية برقم 106 بتاريخ 24/9/1962 بشأن قواعد تعويض وتمليك إسكان أهالي النوبة. لكن التنفيذ جاء مخيبا لآمال النوبيين الذين ظنوا أن الدولة ستعاملهم معاملة صغار المزارعين أو شباب الخريجين أو حتى المعدمين الذين تم تعويضهم في مديرية التحرير والنوبارية، وهؤلاء لم يكونوا يملكون إرثاً ولا وطناً ضحوا به مثلما ضحى النوبيين.

لم يتسلم النوبيون مسكناً وخمسة أفدنه وحيوان زراعي لبدء حياة جديدة وكريمة، أسوة بالمعدمين الذين لم يضحوا ولم يعانوا مثلما عانى
النوببيون.
جسامة الغبن الذي وقع على النوبيين

ولكي ندرك حجم الإجحاف والظلم الذي وقع على النوبيين المصريين، دعونا نلقي نظرة سريعة مقارنة لما حدث للنوبيين السودانيين الذين هُجروا من قرى وادي حلفا إلى منطقة التهجير الجديدة (خشم القربة) حتى نتبين جسامة الغبن الذي وقع على النوبيين المصريين. ترى ماذا فعلت الحكومة السودانية لتهجير النوبيين هناك؟ في خشم القربة المسكن مساحته 350 متر مربع إضافة إلى حديقة صغيرة أمام المسكن وحظيرة للبهائم. لكن في كوم أمبو وإسنا (مصر) أكبر مسكن مساحته 150 متر مربع بلا حديقة ولا توجد حظيرة للبهائم . والنوبي السوداني يحصل على مسكن بصرف النظر عن كونه مقيما أو غير مقيم. بالنسبة للنوبي المصري المسكن للمقيم فقط أما المغترب –أطلقت الحكومة هذا المسمى لغير المتواجد في قريته النوبية أثناء الحصر، بسبب بحثه عن الزرق بعد أن أغرقت الحكومة أرضه- فلم تبن لهم مساكن حتى يومنا هذا، أي بعد مرور أكثر من أربعين عاما على الهجرة، لم تنفذ الحكومة ما وعدت به النوبي المصري المغترب كما أطلقت عليه. وبالنسبة للأراضي الزراعية فقد كانت الحكومة السودانية رحيمة بالنوبيين حيث لم تكتف بقاعدة الفدان مقابل الفدان، بل أضافت لكل صاحب مسكن سواء كان مالكا لأرض زراعية أو معدما مساحة 15 فداناً (حواشة) وضعف المساحة للنوبي الذي يملك أرضا زراعية، أما في مصر فقد وزعت الحكومة على المقيمين ما سمي بفدان الإعاشة والذي مساحته الحقيقية من 14 – 18 قيراط للأسرة الواحدة. فما أشد الظلم والهوان المستمرين على النوبيين المصريين.


قانون مخالف للقواعد الدستورية

النوبيون المصريون يعتبرون أن القانون 67 لعام 1962 مخالف للقواعد الدستورية المعمول بها حيث أغفلت حق الاعتراض على التعويضات وهذا حق لكل مواطن طبقاً لقوانين الدولة. واشترط القانون المذكور أن يقدم الطاعن اعتراضه للجنة مشكلة من عضو مجلس الدولة بالإضافة إلى أحد موظفي المساحة، وهي نفسها الجهة التي قدرت القيمة النقدية للتعويض. أما القرار الوزاري رقم 106 لسنة 1962 والذي خصص المساكن في النوبة الجديدة للأسرة التي تتكون من زوجين ووالدين والأبناء والأحفاد في مسكن واحد (مادة 12)، وهذا يتنافى مع مفهوم الأسرة في المجتمع المصري حيث يعتبر أن الأسرة تتكون من زوجين وأطفال فقط. وينتظر النوبيون المصريون في إعادة المفهوم القانوني الأساسي لكل من القانون والقرار السابقين حتى لا يورثوا مرارتهم وضغينتهم للأجيال النوبية الشابة، ولاسيما وأن هذه الأجيال ليس لديها القدرة على الصبر والتروي في المطالبة بحق تجاهلته الدولة منذ أربعين سنة .



-إطلالة على تعويضات النوبيين:-
عند بداية عملية التهجير قدرت الحكومة قيمة التعويضات التي تصرف للنوبيين كالآتي :

النوع الوحدة العدد الثمن بالجنيه المصري
أطيان زراعية فدان 957ر15 720ر155ر2
نخيل واحدة 380ر044ر1 478ر973ر1
السواقي ساقية 064ر1 920ر20
المباني منزل 966ر35 700ر886ر1

هذه المبالغ الهزيلة تم تقديرها على أسعار عامي 1902و1912 وتم صرف نصف قيمتها عامي 63 و1964 دون أي مراعاة لفروق الأسعار والتضخم الذي صار مع مرور السنين، فهل يعقل أن تقدر ثمن النخلة بخمسين قرشا وأحيانا بعشرة قروش، وفدان الأرض بأربعين جنيها وأحيانا بعشرين جنيها، أما الغرفة المسقوفة في المسكن فقدرت بخمسة جنيهات فقط. هكذا أمر من بيده السلطة والتسلط وهي قرارت إذعان على مواطنين في حالة ضعف وضياع، وكما يقول الأستاذ إبراهيم عبد الرسول (مرجع رقم 1 ص97) النخلة في رشيد بثلاثة وأربعين جنيها وفي النوبة المصرية تساوي خمسون قرشا وفي النوبة السودانية فبخمسة عشر جنيها، علما بأن نوعيات البلح الإبريمي في مصر هو نفس البلح الإبريمي هناك. يذكر ماهر ذكي في كتابه (مرجع رقم ص130) إجمالي الميزانية التي تم صرفها في عملية التهجير في البنود الآتية:


بناء مساكن النوبة الجديدة 18450000 جنية
التعويضات للأهالي 200000 جنية
تكاليف حصر الممتلكات 462000 جنية
المساعدات والإغاثة 820000 جنية
النقل المائي 300000 جنية
النقل البرى 84000 جنية
المصروفات الإدارية 250000 جنية
تكاليف إصلاح 15 ألف فدان بكوم أمبو 4366000 جنية
الإجمالي العام 24932000 جنية


قيمة التعويضات اقل المصروفات الإدارية

وهذه الأرقام توضح بجلاء مدى الغبن الواقع على النوبيين؛ فقيمة تعويضاتهم النقدية أقل من المصروفات الإدارية التي لزم أنفاقها على إجلائهم إلى كوم أمبو واسنا!! بل نزيد ونقول أن جريدة الأهرام نشرت في عددها الصادر يوم 13 مارس 1963 ما يفيد أن التهجير ينحصر في المدة من الخامس من أكتوبر إلى السابع من مايو 1964 مع تصريحات جديدة مفادها أن تعويض أهالي النوبة عن غرق بلادهم تحت بحيرة السد العالي تبلغ 6ر5 مليون جنية ستصرف لعدد 16861 أسرة من الأهالي، وتوضح الجريدة بنود الصرف على النحو التالي: 25 ألف مسكن يقدر ثمنها بمبلغ 1ر9 مليون جنية؛ و15 ألف فدان من الأراضي الزراعية ثمنها 2ر2 مليون جنية؛ و1000 ساقية وبئر مياه شرب ثمنها 20 ألف جنية؛ ومليون نخلة ثمنها 2 مليون جنية. هذا ما كتبته الأهرام. وطبقا لهذه الوعود المجحفة فالمسكن ثمنه 75 جنية؛ والفدان ثمنه 110 جنية؛ والساقية والبئر 20 جنيها؛ والنخلة ثمنها 2 جنية. فأين العدل في تلك القيمة الظالمة؟ وهل تعاملت الحكومات المصرية على تعاقبها، هل تعاملت مع النوبيين على أنهم فعلاً مواطنين مصريين؟
وبناء على ما سبق فالواجب على الدولة أن تعيد فتح ملف قضية التعويضات الظالمة التي صرفت للنوبيين نتيجة الإجلاء الذي تعرضوا لها عامي 63 و1964. واجب على الدولة وحق لنا معشر النوبيين ولن نتنازل عنه.


مشكلة الإسكان والسكان

يتميز السكن في الموطن النوبي الأصلي بالحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتز بها النوبيون ومن أهمها التكافل الاجتماعي. والعمارة النوبية التي لخص فلسفتها شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي بأنها "نظام حياة وليست إيواء" فالبيوت تطل على النهر العظيم، وفناؤها مكشوف إلى السماء ومزودة بحظيرة مستقلة للمواشي والطيور، والمسكن مقام على مساحة 350 – 500 متر مربع من خامات
البيئة .



أما في المهجر فقد بنيت المساكن متلاصقة ضيقة وحشر فيها النوبييون، كما تخلل قراهم أسر غير نوبية مما ألغى الخصوصية النوبية وأسلوب التكامل الاجتماعي والأمني الذي توارثوه جيلا بعد جيل في النوبة الأصلية، بالإضافة إلى عدم استكمال المرافق اللازمة وعدم معالجة التربة غير الصالحة التي بنيت عليها هذه المساكن مما جعلها عرضة للانهيارات المتتالية، الأمر الذي تحمل معه النوبيون نفقات باهظة تزيد كثيراً عما تلقوه من تعويضات سابقة، لجعل تلك المساكن صالحة للسكن الآدمي ، (مرجع 4 ص 16). وهذا نفس ما حدث عند بناء الخزان عام 1902 ثم تعليته عام 1912 وتعليته الثانية عام 1932، ففي كل مرة يضطر النوبيون أن يبنوا بيوتهم أو يرمموها ينفقون أموالاً أكثر مما أخذوه كتعويض من الحكومات المتعاقبة.
ولتبيان حجم السكان في منطقة النوبة الأصلية قبل التهجير وبعده، نستعرض إحصائيات التعداد السكاني في المائة عام الأخيرة كي تتضح حجم المشكلة السكانية والإسكانية التي تعاني منها النوبة في الوقت الحالي
:(منهج ص19,30)
عدد الأسر النوبية نسبة الزيادة% حجم السكان المقيمين بالمهجر سنة التعداد
0 45.708 1882
3.5 61.839 1907
-0.6(سالب) 58.028 1927
15658 -2.2(سالب) 45.169 1947
14517 -2.3(سالب) 44.108 1960
31.341 11.3 154.023 1980(تقديري)
47.979 53 143.938 2000(تقديري)
تدهور مصاحب لتعليات الخزان
الملاحظة أن حجم السكان في بلاد النوبة تدهور في سنوات التعليات المتكررة لخزان أسوان إلى درجة انعدام الزيادة السكانية بل ونقصها في سنوات المحنة. وعند إجراء حصر لعدد المساكن في المنطقة عام 1962 قبل التهجير بلغ عددها طبقاً لتقديرات الحكومة حوالي 24 ألف مسكن، وقررت الحكومة حينذاك أن تبني في المرحلة الأولى 15.589 مسكناً بواقع 65% من العدد المطلوب و تم تأجيل بناء 8411 مسكناً في مرحلة تالية أطلق عليه إسكان المغتربين، وهي تسمية باكية مضحكة كما كان يراها أ/عبد الرحيم إدريس عضو مجلس الأمة في ذلك الوقت، هل أبجديات العمل الاجتماعي أن يسمى من ولد بمحافظة المنوفية و تمتلك أسرته مسكناً بالمنوفية ثم أنتقل إلى القاهرة للعمل أو خلافه، أن يسمى مغترب عن المنوفية !!!

مساكن معيقة للأمان والخصوصية

وهكذا تسلم النوبيون مساكن تم تصميمها و توزيعها بطريقة خيبت آمال الكثيرين، وصارت مصدرا للتوتر والمتاعب الكثيرة التي جسدت قضية من أهم القضايا التي واجهت النوبيين في منطقة التهجير. فمن وجهة نظر النوبة مثلاً أن المساكن متلاصقة تلاصقاً يعوق معه الأمان والخصوصية، وهما أمران لهما قيمة كبرى بين النوبيين في وطنهم الأصلي. علاوة على أن النوبيين لم يتعودوا على إشراك الحيوانات معهم بالمنازل. بالإضافة إلى أن بناء المساكن من الأحجار والأسمنت (خاصة بالسقف) مع قصر الجدران النسبي في مساحة المسكن أيضا، أثبت عدم الملائمة المعمارية مع الظروف الطبيعية والعادات الاجتماعية. مثلا حالات الأرامل أو المطلقات أو الشيوخ الذين كانوا يعيشون وسط أقاربهم و معتمدين على مساعدتهم وفقا لما تحدده التقاليد والأعراف، والذي وفقا للنظام الجديد اخذوا مسكناً ذو حجرة واحدة يقع بعيدا عن باقي مساكن الوحدات العائلية الأخرى ....
(مرجع 4 ص23).
الحكومة تخل بالعهد

علماً بأن الحكومة بنت مسكناً قالت أنه النموذج للمساكن التي سيتم بناؤها في منطقة تهجير النوبيين، لكن في الواقع لم تف الحكومة ولم تبن المساكن للنوبيين حسب النموذج الذي بنته في أسوان ورآه النوبيون ووافقوا عليه، وبهذا أخلت الحكومة بوعد وميثاق آخر أخذته مع النوبيين.


وبعد مرور أربعين عاما من التهجير لم تف الدولة بما وعدت به من استكمال المرحلة الثانية من مساكن المغتربين إلا بنسبة 25% رغم ازدياد عدد الأسرة النوبية طبقا للجدول السابق، والذين لهم الحق في المأوى والسكن الملائم تعويضا عما فقدوه طبقا لمواثيق حقوق الإنسان، وهل كتب على النوبيين أن ينتظروا أربعين عاما أخرى لاستكمال تلك المرحلة الباكية المضحكة من خطة الإسكان ؟ وهل ستكتفي الدولة ببناء 8411 مسكناً طبقا لخطة 1960 أم ستراعي نمو عدد أفراد الأسرة المقيمة بالمنطقة والتي بلغ عددها ضعف الأسرة النوبية أثناء الهجرة على أقل تقدير؟
وما ذنب النوبيين إذا تقاعست الدولة عن أداء واجباتها نحو رعاية مواطنيها؟
ولمَ لم يتم بناء تلك المساكن في توقيتها المحدد؟
ومن المعروف أن النوبيين لديهم مفاهيم اجتماعية وتعاونية؛ أسسوا فيما بينهم الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لأبناء النوبة بالقاهرة الكبرى وأسوان؛ بهدف التغلب على المشكلة الإسكانية عامة وللقيام بجهد إيجابي، خاص في حل مشكلة إسكان المغتربين النوبيين بالمهجر؛ ولاسيما بعد أن تقاعست الدولة عن حل هذه المشكلة لمدة أربعين عاما الماضية وتفاقمت ولم يعد في مقدور النوبيين الانتظار لمدة أربعين عاما أخرى؛



المفاهيم الاجتماعية والتعاونية

تقدمت الجمعية التعاونية للبناء والإسكان بمذكرة للعرض على وزير الإسكان بتاريخ 25/7/992 برغبتها في تعمير منطقة النوبة بأسلوب تعاوني. وافق الوزير على بنود المذكرة التي تقدمت بها جمعية الإسكان النوبية بنفس التاريخ وهى:
أ-بناء مساكن على الطراز النوبي وبالخامات المحلية لن تتعدى تكلفتها 12 ألف جنية
المسكن في المهجر يكلف الدولة 45 ألف جنية وتعرض سنويا لعمليات الترميم بتكلفة 5 ألف جنية
ب-يخصص خمسة أفدنه مستصلحة لكل مسكن.
ت-توفير قرض تعاوني 4 آلاف جنية لكل مسكن تقسط على 27 سنة ويسدد العضو مقدما مبلغ ألف جنية لجدية التعاقد.

ثم تقدمت الجمعية بمذكرة أخرى للعرض على الوزير بهدف تحديد مناطق الاستيطان النوبي حول البحيرة؛ ووافق الوزير بتاريخ 2/8/1993 على مناطق الاستيطان آلاتية:
منطقة التكامل (أدندان وقسطل) شرق البحيرة.
منطقة أبو سمبل (قرية السلام- بلانة) غرب البحيرة.
منطقة توماس وعافية وعمدا؛ غرب البحيرة.
منطقة كلابشة وجرف حسين؛ غرب البحيرة.
منطقة وادي العلاقي والسيالة؛ شرق البحيرة.

وبناء على هذه الموافقة؛ تم تشكيل لجنة فنية من هيئة تنمية بحيرة السد العالي مع مجلس إدارة الجمعية ومهندسيها بزيارة تلك المناطق على الطبيعة وتحديدها على خرائط مساحية في يناير1994،
والعجيب أن هذه الزيارة تم الاتفاق الكامل مع هيئة تنمية البحيرة على كافة الخطوات التنفيذية للبدء في تنفيذ المشروع بعد أن تسدد الجمعية رسوما قدرها 100 ألف جنية لمجلس مدينة أبو سمبل؛ فاستبشر النوبيون خيرا وتحمسوا وقدمت الجمعية شيكا بالمبلغ المطلوب في حينه إلا إن كافة الأجهزة الحكومية تراجعت عن وعودها واتفاقياتها مع الجمعية ومستمرة في تجاهل الجمعية حتى الآن !.
مساكن المغتربين


ولذلك فإننا نطالب الدولة بأن تبني ضعف ما سبق تقريره في تلك المرحلة وذلك ببناء 16822 مسكناً للمغتربين والأسر النوبية الجديدة التي تكونت أثناء تلك الفترة. ولا شطط في تنفيذ هذا المطلب فقد أعيدت بناء قرى بأكملها (12 ألف مسكن) في صعيد مصر خلال شهور قلائل للذين أضيروا من السيول في درنكة بمحافظة أسيوط . والمنطق يحتم بناء 17 ألف مسكن لمن أضيروا ببناء خزان أسوان والسد العالي أسوة بهم وعلى نفس درجة المواطنة في دولة واحدة، ويجب أن تكون هذه المساكن طبقا للنموذج الذي سبق وأن أتفق عليه عام 1960 بلا تعديل أو تغيير في المواصفات، وليست مسكن رأسية (شقق) كما يروج لها التنفيذيون حاليا. وإذ ما تعلل البعض بعدم وجود مساحات تكفي لبناء هذا الكم من المساكن، فنقول لهم أن مساكن النوبيين تبنى فى الأراضي المستصلحة بالنوبة الأصلية (قسطل وأدندان وأبوسمبل المعبد ومشروع توشكى) وأن تكون المساكن مصحوبة بعدد من الأفدنه المستصلحة تعويضا عن تأخير تسليم الأراضي وموردا للمعيشة وتعميرا للمنطقة .
هذا المطلب النوبي سوف يسد ثغرة واسعة أهدر فيها الملايين من الأموال العامة خلال العشرين عاما الماضية رصدت لبناء مساكن المغتربين ولترميم منازل التهجير بالإسناد المباشر لمقاولين وسرعان ما تتساقط مساكن ويعاد ترميمها في طاحونة جهنمية يضار بها النوبيون ولا يستفيد منها سوى المفسدون.

المساكن الرأسية غير مناسبة

والنوبيون يرفضون فكرة بناء مساكن رأسية لأنها لا تتناسب مع الطبيعة النوبية، كما أنها تخالف العقد القانوني التاريخي الذي تمت عملية التهجير عام 63/1964 على أساسه، ويعلنون براءتهم من أي نوبي ساهم أو وافق أو يوافق – مجاملة لأي مسئول كان - وروج لهذه الفكرة، ويؤكدون في نفس الوقت أن توزع 5 أفدنه لكل مغترب يسلم له مسكنه تعويضا له ومورد رزق له ولأسرته .مشكلة الأرض الزراعية :

المجتمع النوبي القديم مجتمع زراعي يعتمد على الإنتاج الزراعي و الحيواني، ونتيجة لتعليات خزان أسوان انحسرت المساحة المحصولية من 25898 فدان عام 1929 إلى 13661 فدانا عام 1939 (مرجع ص 43). وبعيدا عن الإحصائيات الحكومية يقدر أ. إبراهيم عبد الرسول أن حجم الأراضي الزراعية ببلاد النوبة قبل التهجير بحوالي 75 ألف فدان، في حين أن تقدير وزارة الشئون الاجتماعية قبل التهجير أن حجم الأراضي الزراعية هو 15 ألف فدان، وزعت على النحو التالي:
منطقة الكنوز 2461 فدانا و منطقة الفادجة 11682 فدانا و منطقة العرب 3 (ثلاثة) أفدنه. هل يعقل أن منطقة وادي العرب و التي تضم 7 قرى لا تملك إلا ثلاثة أفدنه فقط؟ أي إجحاف هذا ؟!
ولن نستطرد في حجم الثروة الحيوانية من أبقار وجمال وأغنام وماعز أعدمت أثناء التهجير وبعده. لعدم وجودالحظائر الخاصة لتربية المواشي وعدم اعتبارهم إبقاء الحيوانات الزراعية داخل منازلهم و الذي يجافي أبسط قواعد سلوكياتهم وثقافتهم التي توارثوها عن الأجداد .

هذه الأسطر هي إيجاز لقضية النوبة والنوبيين، إيجاز بالضرورة مخل لأنه لن يبين مدى معاناة النوبيين على مدار القرن العشرين كله. لكن حسب تلك الصفحات أنها تكون مدخلاً لإلقاء الضوء على القضية النوبية عامة، وبعدها تكون التفصيلات.




المطالب النوبية:

1- تنفيذ حق العودة للنوبيين إلى موطنهم الأصلي حسب ما نصت عليها في بيانات حقوق الإنسان الخاصة بالشعوب القديمة والتي تم التصديق عليها دستوريا على أن تقوم الحكومة بوضع و تنفيذ خطة متكاملة بعودة من يرغب من النوبيين إلى منطقتهم.
2- إعادة فتح الملف الخاص بالتعويضات النوبية المجحفة.
3- نظرا لعظم الظلم الذي وقع على النوبيين فإنه يجب أن تتم معاملة النوبيين معاملة الأولى بالرعاية سواء في المخصصات المالية أو العينية طبقا لقول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أثناء زيارته لابو سمبل عام 1960 ....
4- الاهتمام بالثقافة النوبية والتراث النوبي في وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية منها أو المسموعة أو المقروءة..
5- تنمية المنطقة بشريا وإداريا وزراعيا وصناعيا حيث أنها منطقة واعدة.
6- مد خط سكة حديد لربط المنطقة النوبية جنوب السد بسائر عموم مصر والسودان مستقبلا.

..............................


وختاما لا يسعنى الا ان اشكرك الاستاذ الفاضل / محمد سليمان ولياب
على ما بذله من جهد
لأخراج هذا البحث المهم والمفيد والذى يلقى الضوء على القضيه النوبيه منذ بناء الخزان عام 1902 والى الأن ويبين مقدار ما عانى النوبيين طوال ما يزيد عن المائة عام . واكرر شكرى لسماحه لنا بعرض هذا البحث المهم على صفحة الاتحاد.
شكرا استاذى العزيز

13 فبراير 2010


اليوم تحتجب مدونة اتحاد
"شباب من أجل النوبة" تضامنا مع
"وائل عباس"
كما احتجبت شمس العدالة عنه.

07 فبراير 2010


صورة من مستخرج حكومى رسمى , توضح مدى الاجحاف فى حق النوبيين , فبيوتنا التى كانت عنوان للحياة والتى الهمت شيخ المعماريين حسن فتحى , فاتخذ من عمارتنا النوبية منهجنا فى اغلب اعمال ومنها "دار الاسلام" بنيو مكسيكو
بيوتنا كانت تعمر بالحياة ى رحابة حيث لم يقل منزل بالنوبة الغريقة عن 450 متر , ولم يزد فى نظر الحكومة عن 65 جنيه بالنسبة لبيت مكزن من 6 خرف وحوش سماوى على طراز بيوتنا القديمة

كان موسم جنى البلح فى النوبة القديمة كمثل الاعياد , ففيها تكثر الافراح بعد ان انتعشت حالة النوبيين البسيطة باموال من تجارة البلح ( عمود الاقتصاد النوبى الفقرى) فالنخلة للنوبى هى راس ماله وهى تقريبا اهم وسائل دخله , فكان حصاد البلح يقيم اعراسا بما يدره على الاسرة النوبية , فتخيلوا كيف تقييم الحكومة مورد دخل اساسى فى حياة النوبيين بملاليم قليلة حتى اصبحت النخيل المثمرة لا تتعدى حتى قيمة "سعفها"