23 أبريل 2012

حق العودة ليس فلسطينيا فقط

د.م/ محمد منير مجاهد



كتب المهندس/ محمد سيف الدولة مقالا بتاريخ 28 مايو 2011 بعنوان "حقالعودة فلسطيني وليس نوبي" نشره في عدة مواقع على الإنترنت، يعيب فيه على النشطاء النوبيين مطالبتهم بحق العودة لأراضيهم التي هجروا منها عند بناء السد العالي، والحقيقة أن النوبيين لم يطالبوا بهذا لأن أراضيهم قد غرقت تحت مياه بحيرة ناصر، وهم يطالبون بحقهم في العودة للعيش حول ضفاف البحيرة في أماكن تناظر قراهم الأصلية التي هُجٍروا منها عند بناء السد العالي، ويرى محمد سيف الدولة أن " استخدام ((مصطلح حق العودة)) هو استخدام باطل وخطير وقد يكون مغرضا  وسيء النية، لأن حق العودة هو مصطلح يرتبط بقضية فلسطين وعلى وجه التحديد بقرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم المغتصب من العدو الصهيوني عام 1948، والنوبة ليست فلسطين".

والحقيقة أن مصطلح حق العودة يشير إلى مبدأ في القانون الدولي، مدون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو يعطي أي شخص حق العودة والدخول لبلده الأصلي، سواء كان خروجه لأسباب اضطرارية أو باختياره الحر، وقد أجبر الشعب الفلسطيني على مغادرة أراضيه نتيجة لحملة تطهير عرقي ممنهجة ومنظمة مارستها الحركة الصهيونية ضده للاستيلاء على أراضيه، وبالطبع لم يحدث هذا مع النوبيين، وإن كان قد حدث مع شعوب أخرى لإيجاد دول متجانسة عرقياً، كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا، ومن حق الشعوب والأعراق التي أجبرت على هجرة أراضيها العودة إلى بلادهم ومواطنهم الأصلية، حق العودة إذن ليس حكرا على الشعب الفلسطيني، وفي معرض إنكار حق النوبيين في العودة لموطنهم ضرب الكاتب مثلا بتهجير سكان مدن القناة بعد حرب 1967، ولكنه تناسى أنه لم ينكر عليهم أحد حقهم في العودة إلى منازلهم ومدنهم بمجرد انتهاء حرب 1973 وقد عادوا بالفعل.

أخطر ما في مقال المهندس محمد سيف الدولة ليس إنكاره "حق العودة" بالنسبة للنوبيين في الوقت الذي تسمح فيه الدولة لفلاحين من الدلتا والصعيد بإقامة مشاريع زراعية والتوطن على ضفاف بحيرة ناصر، ولكن إنكاره أنهم يمثلون قومية مستقلة أو أن لهم "خصوصية زائدة تختلف عن الخصوصيات الطبيعية بين سكان المحافظات المختلفة فى وجه بحري أو وجه قبلي"، فالحقيقة أن مصر دولة شعبها متعدد الأعراق والقوميات في تجانس مدهش وخلاق، فمصر ليست العرب وفقط (وأقصد بالعرب السكان الذين يتحدثون العربية كلغة أم)- ولكنها تضم إلى جانبهم قوميات أصيلة أخرى كالنوبيين والبشارية في جنوب مصر، والأمازيغ في سيوة، أو وافدة كالأرمن واليونانيين، وما يميز كل هذه القوميات هو أن لكل منهم لغته الأم، ومن ثم خصوصية ثقافية لأن اللغة هي وعاء الثقافة.

وخطورة هذا النوع من القومية العنصرية التي تنكر أي حقوق ثقافية للقوميات المختلفة في عالمنا العربي هو أنها تؤدي عمليا لتقسيم بلادنا، فالمسئول الأول عن تقسيم العراق هو نظام البعث العنصري الذي مارس تطهيرا عرقيا ضد الأكراد وأنكر حقوقهم الثقافية، والمسئول الأول عن تقسيم السودان هو نظام البشير العنصري الذي حاول أن يفرض قيم ثقافية تتنافى مع قيم السكان في الجنوب، وهو من ارتكب جرائم رهيبة ضد الشعب في دارفور، وحاليا في أبيي.

قد يكون صحيحا وجود "مشروعات صهيونية معادية ونشيطة تنادى بتقسيم مصر والوطن العربي إلى عدة دويلات منفصلة على أسس طائفية أو إقليمية"، ولكن هذه المشروعات لا يمكن أن تنجح إلا بسياسات داخلية تميز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو الانتماء الجغرافي ... الخ.

إن النوبيين لا يواجهون – كما حدث للسود في أمريكا – حاجز تشريعات التفرقة أو المؤسسات العنصرية التي كانت من نصيب السود الأمريكان، وقد تمكن النوبيون من  الحصول على مكان لأنفسهم في نسيج المجتمع المصري، ولعل أبرز مثال على هذا هو المواطن النوبي المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومع ذلك فإن هناك مطالب خاصة لأبناء النوبة – تستحق دعمنا غير المشروط - نحددها فيما يأتي:
1-       الإقرار بحق النوبيين في عودتهم إلى موطنهم الأصلي، وبحقهم في أولوية تملك الأراضي المستصلحة حول بحيرة ناصر والتي تقام بها حاليا قرى جديدة، وكذلك في مناطق الظهير الصحراوي في أسوان.
2-       إعادة ترميم المساكن التي تم التهجير إليها ثم انهار بعضها بعد شغلها.
3-       إعادة تقييم التعويضات الهزيلة التي أعطيت للنوبيين مقابل الأراضي والبيوت والنخيل.
4-       تدريس اللغة النوبية في مدارس قرى النوبة باعتبارها لغة ثانية.
5-       تدريس تاريخ النوبة في المؤسسات التعليمية بمصر، والاهتمام بالثقافة والآثار والتراث والأدب الشعبي النوبي، والتعريف بالحضارة النوبية.

إن الحفاظ على وحدة مصر تتطلب الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي والعرقي والقومي فيها، وأن يشعر كل مواطن بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو الثقافية أو العرقية أو القومية، أن حقوقه موضع تقدير واحترام ومساندة من بقية الشعب، وعلينا ألا نكرر أخطاء شاهدنا بأعيننا نتائجها المدمرة على وحدة الأوطان حولنا فكما يقول اﻟﺼﻴﻨﻴﻮن "اﻟﺠﻨﻮن هو أن تفعل ﺷﻴﺌﺎ وﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ نتيجةً، ثم تفعل نفس اﻟﺸﻲء وﺗﺘﻮﻗﻊ نتيجةً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ".




22 أبريل 2012

سقوط المماليك

بقلم  المهندس / سعيد ابو طالب


رغم إقامتى 11 سنة بشبرا الخيمة، إلا أن تحقيقات احدى الصحف عمن يبيعون أعضاءهم صدمتنى بشدة،ليس لجهلى بها ،و إنما لكونها أعادتنى بقوة للسؤال الملح.
 .................................................................. ساعات أقوم الصبح قلبى حزين......
 يظل السؤال مطروحا بقوة،يراودنى بين الحين والحين:لماذا لم تغادر هذا البلد؟ قد يغير السؤال ثوبه الخارجى محاولا خداعى،:لماذا تعيش فى أم هذه البلد بنت الكلب؟،أو: مالذى يشدك لهذا المستنقع؟.
 المهم اننى كلما دفنته فى أحشائى مهمهما بإجابات عاطفية لا ترقى لأى نقاش علمى،يطل برأسه مخرجا لسانه.
 كانت مدينتى الريفية "شبين القناطر" تغرق فى بحار من المجارى فى أوائل السبعينات،حينها هالنى-وأنا ناصرى بجنون - ماقاله المرحوم الشاعر الكبير "محمد مهران السيد" فى إحدى زياراته لنا فى "نادى الأدب" عن أن هذه المجارى هى أكبر دليل على أن حركة 23 يوليو ليست ثورة بل هى إنقلاب عسكرى فاشى.
 ألحت مقولة مهران السيد على خيالى كثيرا،لكنها سكنت تضاريسى متوارية. ظهرت بقوة حينما اختفى ذات فجر بعد أيام 67 السوداء عبد الحليم الفقى بائع القماش مصحوبا بإشاعة التعامل مع العدو الإسرائيلى ،ليعود فى بداية عهد السادات بقدم واحدة خارجا من المعتقل وينضم لحزب التجمع ، "ليه ؟ .. لأنه ناصرى" !!!
 تزوجت من بنت مصر الجديدة لتعانى فى شبين من قدر الغرف المقبضة وزفة الشباينة المصاحبة لنا فى أوقات خروجنا سويا،ورفضى" للأنجشيه" خجلا من نظراتهم، كانت القطارات بلا مواعيد،تذهب للمحطة لقطار الثامنة صباحا فيدخل المحطة حين يشاء الله !!!.
 تركنا شبين بحلوها ومرها إلى شبرا الخيمة حيث الطبقة العاملة فى كل مكان، حيث تاريخ المدرك ومحمود العسكرى وطه سعد عثمان ومحمد أبو سيف وأحمد سالم سالم وحسن الساكت وعبد العال بسطويسى وفؤاد شحتو واحمد خضر، والتقيت بالأحياء منهم فى تجمع شبرا الخيمة فى بداية الثمانينات.
 "يوركشير الشرق" معبأة بدخان المصانع وأبرز دخان كان لناروبين تستنشقه فى الصباح الباكر،وتلتقى زوجتى ب50 حالة جرب يوميا من كل 150 طفل مريض ،تفاجئك دورات المياه الملحقة بغرف النوم الرئيسية ،كما تفاجئك علاقة العمال بالسياسة وبالفكر الإشتراكى ،فعديد منهم كان حدتو أو العمال والفلاحين،والعديد إستقر به الأمر للعمل كمخبر بعد أن كف عن النضال السياسى.
 كان المرحوم بهاء المرغنى يقدم مسرحا بنادى فقير، وتقدم لطفى الخولى لإنتخابات 84 ضد فؤاد محيى الدين ومعه كانت د: ماجدة عدلى،وكانت معركة ساخنة إنتهت نهاية معروفة بإكتساح رئيس الوزراء للدائرة،ثم إنتخابات 88 وكان فارسها صابر بركات ولاتختلف نهايتها عن المعتاد.
 تخلل هذه الفترة العديد من إضرابات العمال "عمال السكة الحديد" و "إسكو" و"المحلة"و "الحديد والصلب بحلوان".
 إنتهت حقبة "يوركشير الشرق" بعدة أحداث فارقة:
 إصابة فتاة بسرطان الرئة وإصابة شاب بسرطان الكبد وكانا من أصدقاء اليسار وعمرهما دون الثلاثين ،ثم اختفى زكريا سيد بكر فى واقعة إختفاء قسرى فى 88 ، ولم يعد حتى الآن !!!
 إلا أن المفارقة الكبرى هى قيام احد شباب اليسار ببيع كليته ،ليظهر بعد ذلك موزعا نقوده على أصدقائه فى البارات ،ومختفيا بعد أن نفذت نقوده.
 هربنا من دخان ناروبين إلى مصر الجديدة ململمين جراحنا،لكن السؤال يعود بقوة،ثم يعاود الإختفاء المؤقت مع نداءات "كفاية" المدوية،ويكتشف الجميع أن "كفاية" غير كافية،فتدوى إحتجاجات عمالية وشعبية،ثم تهمد بسرعة.
 يصبح إنهيار دولة المماليك ماثلا فى الصدارة،مصحوبا بعنف النزع الأخير ضد الجميع،وتتوالى أحداث تسقط ايا من الأنظمة المحترمة،وتقابلها المعارضة بلا مبالاة شديدة وكأنها "نحست" و آخرها إنهيار الدويقة. 
يعود السؤال بقوة
 ........................................................... ،اللى اشتريته انباع
 وافقت بسرعة على الذهاب مع الأسرة إلى أسوان علنى أهزم كآبتى،لم أبال بعدم وجود تذاكر لقطارات النوم،وبعد فترة ترددت خوفا من القطار المكيف المخصوص،لكن ابنتى أقنعتنى بأنه لافرق ،كل القطارات تقطع المسافة فى 12 ساعة.
 كانت المفاجأة فى تأخر القطار ساعة عن موعد القيام،ثم قطع المسافة فى 16 ساعة،لنصل الساعة السادسة والنصف بدلا من الساعة الثانية عشرة والنصف،ودورة المياه فى المكيف المخصوص أجارك الله،ولا يمكن تخيل إمكانية إستخدام السيدات للدورة،فى المكيف المخصوص أبو 105 جنيه. كيف يمكن تحمل مواطن 12 ساعة فى قطار غير مجهز للإستخدام الآدمى؟12 ساعة هى المسافة بين مصر وأمريكا، ما بالك ب16 ساعة؟.
 فى أسوان طبيعة خلابة وقاسية،ومتاحف ومعابد بعضها معتنى به ،و الآخر كأنه حظيرة مواشى،الموظف والحراس ذوو ذقون لم تحلق كأنهم قاموا من على أسرتهم فى التو،مهتمون بزجر الأطفال وإبعادهم عن الآثار،ومهتمون أيضا بالشرح لنا حيث لا علامات أو لوحات إرشادية أملا فى البقشيش، الآثار ملقاة على الأرض بلا عناية،لايستثنى إلا أبو سمبل وفيلة والمتحف النوبى، وفى إدفو يقدمون فيديو باللغة الإنجليزية فقط دون ترجمة عربية يتحدث فيه كالعادة زاهى حواس كما لو أن هيئة الآثار خلت من غيره.
 درجة الإهمال فى متحف أسوان وكوم أمبو وإدفو تشعرك بالخطر وبأن المهرجانات القاهرية ما هى إلا فقاعات صابون.
 أحفاد الفراعنة يتسولون،"هالو" "وان يورو؟"،كلما اقتربت من معبد جاءك النداء:"هالو...وان يورو؟". 
...........................................................واللى بنيته ضاع
 لفت إنتباهى الحضور القوى للنوبيين كبشر وثقافة،ثم الشكوى المريرة من احساسهم بالتمييز والإضطهاد،منذ التهجير لبناء السد وحتى الآن،المراكبى الحزين لم يلتفت لنا إلا عندما سمعنى أحكى عن مختار جمعة عضو مجلس الشعب السابق عن التجمع،وحكى فى مرارة شديدة عن فقدان أشياء كثيرة تحت بحيرة ناصر،سائق نوبى قال لنا أن النوبيين هم أقباط مصر الحقيقيون،والنكبة جاءت منذ الفتح العربى"نحن أصل مصر ،لوننا ثابت لم يتغير"،واضح أنه تخيلنا مسيحيين،رددت عليه:السلام عليكم.
 تعجبت من حديث السائق المتطابق مع أفكار الأنبا توماس!!!
.........................................................راح اللى راح
 ما عادش فاضل كتير
 لماذا تحب هذه البلد وتعشق ترابهاوتمرمغ رأسك فى ترابها؟
 ياعم صلاح
 ماعادش فاضل كتير على سقوط المماليك.

النوبة قصة الظلم (1911- 2011 ) ..... 4

بقلم أ/ السيد سعيد
الأجزاء ( الأول والثانى والثالث) هنا
الأجزاء (الرابع والخامس والسادس) هنا
الأجزاء (السابع والثامن والتاسع ) هنا
_______________________

الجزء العاشر

 

طيب-قام السادات بحرب علي الاشتركيين و الناصريين في مصر و قام بدعم التيارات الدينية المتشددة و الوسطية لكي يقضي علي الناصريين و الاشتراكيين اليساريين الذين تحولوا الي شوكة في ظهره و هنا نجد ان نفس الشئ حدث في السودان حيث انقلب النميري علي الاشتراكيين و قام باستحضار الاسلام السياسي و تحالف مع حسن الترابي و تحالف معه و هنا نجد ان هذا قد اذن بانتهاء عصر الرجلين معا و كان نتيجة تحالف النميري و السادات مع تيارات الاسلام السياسي حوداث الفتنة الطائفية في مصر و اشتعال الحرب الاهلية في الجنوب السوداني مرة اخري بعد هدنة طويلة 
فلقد تم غتيال السادات في مصر علي يد الجماعة الاسلامية و تولي محمد حسني مبارك الحكم في مصر 1981 و تم خلع النميري في السودان علي اثر انقلاب الفريق سوار الدهب و عاش النميري في المنفي
و مرة اخري نجد  الارتباط بين البلدين و تاريخهم و ان التغيير في الشمال المصري تبعه علي الفور التغيير في الجنوب السوداني
و لكن شتان بين الفريق سوار الدهب و الفريق مبارك
فلقد اعلن الفريق سوار الدهب انه سيسلم الحكم لحكومة برلمانية منتخبة في خلال عام و لقد ابر الرجل بوعده و لاول مرة في التاريخ العربي الحديث يتنازل حاكم عسكري عن الحكم لحكومة برلمانية منتخبة  و لكن في مصر بعد ان اعلن الفريق مبارك انه لن يترشح اكثر من فترتين فلقد مكث في الحكم 30 سنة
و هنا نجد ان الحكومة السودانية الجديدة قد سيطرت عليها روح الطائفية و القبيلة و اهملت الداخل و الخارج و اهتمت بعمل نزاع حدودي مع مصر لان الان علي راس الحكومة –حزب الامة الوريث الشرعي للمهدية الانفصاليين و لكن هذه المرة كان علي راس البرلمان السوداني عثمان الميرغني زعيم حزب الاتحاد الوريث الشرعي لحزب الاتحاد القديم و اهملت الحكومة السودانية  المناطق السودانية المختلفة و منها النوبة التي تواصل ابناءها علي العودة المتزايدة مما جعل النوبة السودانية تغرق في العشوائيات و انعدام التخطيط  و الخدمات
اما في مصر فلقد واجه النوبيين المصريين الامر الواقع---ازمة الديون المصرية و الخزانة المنهكة و انعدام البنية الاساسية و  مع ارتفاع معدل البطالة و التضخم و الاسوء وقوع الدولة تحت ضربات ارهابية شديدة القسوة من الجماعات المتشددة مما اثر علي السياحة و علي الدخل القومي في فترة الثمانينيات و لكن الغريب ان اسوان كانت ملجأ لاهل الصعيد الهاربين  من اتون الفتنة الطائفية و في عز ما انكوت الجمهورية كلها و كانت مستهدفة من قبل الجماعات المتطرفة الا ان اسوان قدمت نفسها علي انها واحة و جنة خضراء وسط كل هذا و هذا راجع الي طبيعة اهل اسوان و النوبيين عامة بل لم تحدث في اسوان اي حادث طائفي او ارهابي في خلال الثمانينيات
و ابتعد الفريق مبارك عن اسوان و اتخذ من شرم الشيخ عاصمة ثانية للجمهورية المصرية
و صبر اهل النوبة علي حقوقم مرة اخري حتي تحسن احوال البلاد الاقتصادية
ثم كانت حرب الخليج و الغزو العراقي للكويت و ما تبع ذلك من انفتاح اقتصادي للاقتصاد المصري و المعونة الغربية و العربية التي انهالت علي مصر تقدير لجهود مصر في تحرير الكويت  و اشرقت شمس الاقتصاد المصري حتي حقق في عهد حكومة الدكتورعاطف صدقي و حكومة الدكتور كمال الجنزوري  نمو اقتصادي يصل الي 7% و ظهر الاقتصاد المصري علي الساحة بقوة
و جاء التضخم السكاني التي بدات بوادره في الثمانييات نتيجة لتحسن الاحوال الصحية و ارتفاع طفيف في الدخل الي جانب ان مصر قد ابتعدت عن الحروب الاقليمية التي تحدث مما ساعد علي نمو السكان الي جانب عودة الطيور المصرية المهاجرة مرة اخري الي ارض الوطن من الدول العربية و الخليجية و الغربية
في هذه الاثناء حدث انقلاب علي الحكومة البرلمانية المنتخبة و جاءت حكومة الانقاذ الوطني السوداني بقيادة الفريق عمر البشير الذي ظهر تحالفه مع حسن الترابي المنتمي للتيار الاسلامي السياسي الذي كان السببب الرئيسي في افساد النميري من قبل و هو الذي اقترح علي النميري و تحالف معه حتي اصدر النميري قوانيين الشريعة الاسلامية التي كانت سبب في اندلاع الحرب في الجنوب و ايضا سبب في خلعه من الحكم  و حسن الترابي كان زوج اخت الصادق المهدي الذي كان  في هذا الوقت رئيس الوزراء السوداني ---اي انقلب علي زوج شقيقته –اي ان الاسلام السياسي يتبع اي وسيلة للوصول للحكم مع  اي فرد اي كان انتماءه
و سيطر الترابي علي البشير و علي الدولة السودانية و اصدر تشريعاته الذي ذكر انها مستمدة من الشريعة الاسلامية و فتح ابواب السودان امام معسكرات التدريب الارهابية التي نالت من استقرار مصر و ادت سيطرة الترابي علي البشير الذي عمل كسكرتير للترابي الي هجرة الشباب السوداني الي الخارج –و هنا نلاحظ ان اكبر هجرة بشرية للشباب في العل حدثت في التسعينيات كانت هجرة الشباب السوداني خارج ارض وطنه الاصلي السودان
و كانت النوبة السودانية في ذلك الوقت تجد ان الحكومة المركزية لن تقوم بشئ بالنسبة لحق العودة و لذلك عادوا في عشوائية تامة للبحيرة و كان ان هاجر نسبة عالية منهم ايضا الي دول الخليج لوجود الية نوبية مصرية كبيرة هناك مما ساعدم علي ايجاد وظائف و الاستقرار هناك بعيد عن السودان و النوبة السودانية  
و حدثت القطيعة المصرية السودانية و اغلاق الحدود و كل مشاريع التكامل الاقتصادي القديمة و تجلت الفجوة بين الدولتين في حادث اديس ابابا الذي حاولت جماعات ارهابية تدربت في السودان اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك و حدث شبه مواجه عسكرية في حلايب و شلاتين القديمة
في حين وجد النوبيين المصريين ان الوقت قد حان للمطالبة بحقهم القديم الذي لم ينسوه و كانت الفرصة سانحة حينما ادركت الحكومة المصرية ان سبب المشاكل الارهابية في مصر راجع الي البطالة و بالاخص بعد حادث الاقصر الارهابي في1996 و بفضل حكومة الدكتور كمال الجنزوري الذي هو في الاساس وزير و دكتور في التخطيط تم البدأ في مشروع مفيض توشكي الذي يتكون من حفر ترعة خلف السد العالي و هو في الحقيقة كان مشروع مكمل للسد العالي و لكن ظروف الحرب و النكسة و ما تبعها كان من المستحيل ان ان يتم هذا المشروع العملاق
و جمال هذا المشروع انه مشروع كبير كثيف العمالة مما يعني ان كل الحرف مطلوبة و كل التخصصات مطلوبة و لقد نجح هذا المشروع الي حد كبير في القضاء علي الباطلة في الصعيد المصري
و لكن حدث ان الحكومة لم تنظر الي حقوق النوبيين بل جاء العمال من كل انحاء مصر و ظهر ان المشروع ايضا لكبار المستثمرين فقط

 

 ______________________________________

 

الجزء الحادى عشر

 

طيب –جاءت سنوات التسعينيات –و حققت مصرنمو اقتصادي ملحوظ و ارتفع مستوي المعيشة نسبيا مقارنة بالسنوات السابقة و جاء مشروع توشكي و غيره من مشاريع البنية التحتية و الاساسية العملاقة لتحمل الامل في مستقبل افضل
و هنا بدات اصوات النوبة المصرية في الصعود مرة اخري مطالبة بالحق الضائع القديم لالزام الحكومة بما وعدت به في الستينيات –حيث ان الحق حق و لا يسقط بالتقادم ابدا
و نظر النوبيين الي شروع توشكي علي انه منفس لهم بسبب الزيادة السكانية التي شهدتها مصر في خلال السنوات السابقة و ما يتبع ذلك من بحث عن فرص عمل و اعمار في الارض
و كانت المفاجاءة الاولي ان المشروع لكبار المسثمرين فقط و نسبة صغار الملاك قليلة و ايضا يحتاج المشروع الي اموال طائلة حتي يتم استصلاح الاراضي و تتحول من صحراء جرداء الي اراضي منتجة خضراء
و انتظر المصريين كلهم الدعم الحكومي للمشروع و لكن الحكومة المصرية قررت ان تشق الترع الرئيسية و الفرعية و انشاء الطرق و التخطيط العام و لكن لا يوجد دعم مباشر للفلاح الجديد او الفلاح الصغير
و امام اعينهم شاهد المصريين الاراضي و هي توزع علي كبار الملاك و المسثمرين و ذوي السلطة و النفوذ و اعضاء الحزب الحاكم و المقربيين –الذين تحولوا ايضا الي ملاك و تجار اراضي فقط –يعني يشتري الارض لكي يبيعها بعد ذلك بسعر عالي دون النظر الي احتياج مصر لهذ لاراضي الزراعية لبناء مستقبل افضل  --مع العلم ان من ميزانية الدولة تم انشاء او البداء في انشاء هذا المشروع –و هذا المشروع كان المستهدف منه نزوح حوالي 22 مليون مصري خارج الوادي القديم عند اكتماله
و ازداد الاحتقان حتي تم اهمال القري النوبية الموجودة و ابسط مثال كان ابوسمبل التي انتشرت عنها قصة طريفة و هي ان رئيس مجلس المدينة قد يأس من ان تقوم الحكومة المركزية بتعمير ابوسمبل رغم انها مدينة سياحية و تعتبر منجم ذهب لمصر كلهابسبب اثارها و لقد اجتمع الرجل مع كبار رجال ابوسمبل و قال لهم انها فرصتكم الاخيرة لتعمير المدينة لان حتي الان و رغم ان مشروع توشكي قريب لنا و لكن حتي اللحظة لايوجد اهتمام او رعاية لنا هنا –فالحل هو ما اشير عليكم –غدا الرئيس مبارك سيقوم بزيارة للمدينة –ارفعوا صور عبد الناصر –و اتركوا الباقي لي –و هنا وافق الرجال بعد نقاش و مدوالة
و اليوم التالي اثناء مرور الموكب الرئاسي بالمدينة وجد الرئيس مبارك الاهالي و قد رفعوا صور عبد الناصر و ليس صورته هو –و هو ما دفعه الي حافة الجنون –و هنا عقب رئيس مجلس المدينة انه بالامس قد قال للناس ان الرئيس سيقوم بزيارة مدينة ابوسمبل—فظن الناس ان عبد الناصر قادم لانهم معزولون عن العالم الخارجي و و لا يعلمون ما يدور حولهم حيث انه لا يوجد عندهم تلفاز او مياة او كهرباءو واضح انهم لا يعلمون من هو رئيس مصر و لذلك رفعوا صور عبد الناصر 
و هنا امر   مبارك باعادة تخطيط المدينة و مدها بكل ما تحتاج و هو ما تم الانتهاء منه بعدها بحوالي عامين ----و هذ القصة قد تكون مجرد اسطورة و قد تكون حقيقة و لكن علي الاقل تعبر عن مدي الاهمال الذي لم يعد مقبول من الشعب لمصري عموم و من النوبيين خصوصا لمطالبهم
و عندما ادرك النوبيين ان لا امل في مشروع توشكي بالنسبة لهم و لا يحمل لم هذا المشروع ما انتظروه منه –بداوا في المطالبة مرة اخري بحق العودة الي بحيرة ناصر و كان الدافع لهم هو الزيادة السكانية الملحوظة في مصر مع ارتفاع مستوي المعيشة و تحسن الاوضاع الاقتصادية و ايضا خلود مصر الي الاستقرار و البعد عن الحروب
و لكن سنوات التسعينيات ايضا حملت القطيعة المصرية السودانية بعد محاولة اغتيال  مبارك في اديس ابابا و ايضا تبع ذلك اتهام السودان بالضلوع فيها تحت الحكم الرشيد للترابي الحاكم الفعلي للسودان في هذا الوقت و البشير الحاكم الصوري للسودان القاطن في قصر الرئاسة –و الحقيقة ان مبارك قد نعامل بعجرفة غريبة مع الدول الشقيقة العربية و الافريقية حتي انه قد نجح في تدمير علاقات مصر التاريخية مع القارة الافريقية التي افني عبد الناصر عمره كل في محاولة بناها –فكل الدول الافريقية قد تحررت باموال مصرية و دعم دبلوماسي مصري و و سلاح مصري ايضا –و كان رد الفعل ان كل عاصمة افريقية يوجد بها حتي الان شارع رئيسي يسمي شارع الزعيم جمال عبد الناصر
و كانت عجرفة مبارك و اعوانه القابضين علي الحكم في مصر مع الدول الافريقية يقابلها تذلل و مهانة و سمع و طاعة لامريكا و اوروبا و اسرائيل فقط ---حتي كان يخشي منهم و تمسك بهم اكتر من حرصه علي حياته و ذلك لكي يضمن بقاءه علي العرش المصري و بعد ذلك توريث الحكم الي ابنه جمال الذي بدا في الظهور علي الساحة السياسية المصرية بشدة في هذا الوقت
و تم اغلاق الحدود المصرية السودانية و تم ايقاف المشاريع المشتركة بين مصر و السودان التي كانت شبه متوقفة من ايام حرب تحرير الكويت بسبب موقف البشير الداعم للغزو و موقف مصر الرافض للغزو ---و كانت هذه هي شهادة وفاة مشاريع النميري و السادات للتكامل –رغم انها كانت قد توقفت قبل ذلك ايام الصادق المهدي و لكنها عادت مرة اخري الي العمل قبل انت تتوقف هذه المرة ايضا
 و تم فرض حصار اقتصادي علي السودان و تم ايضا ضرب السودان بالصواريخ الامريكية و مباركة مصرية بحجة محاربة الارهاب و نشط جهاز المخابرات المصري في عمليات تم الافصاح عنها و اخري لا تزال سرية من اجل تعقب الارهابيين في الاراضي السودانية –و وصل هذا الامر الي الانتهاك العلني للاراضي السودانية في عميلة اختطاف اخطر رجل في العالم في هذا الوقت ---و يسمي كارلوس ---و تسليمه الي فرنسا لمحاكمته—رغم ان كارلوس كان من اشد مساندي القضية الفلسطينية و لم يستهدف مصر او اي دولة عربية و لكن كل اهدافه كانت في اوروبا الغربية و اسرائيل ضد اهداف اسرائيلية او امريكية
و نجحت الضغوط في اجبار البشير علي التخلي عن الترابي –او بمعني اصح صادف هوي الضغوط شئ في نفس البشير –و تم الانقلاب علي الترابي و رميه في السجن حيث يستحق و انفرد البشير بحكم السودان و تم ذلك لكي يبرهن البشير انه في سبيله للتغير
و الغريب ان سبب  انقلاب البشير علي حكومة المدنية المنتخبة قيادة الصادق المهدي  التي كانت في الحكم هو ان التمرد قد زاد في الجنوب و تم بسط سيطرة المتمردين الجنوبيين علي بعض مدن الجنوب السوداني و من المثير للدهشة و الضحك ايضا ن في عهد البشير و الترابي سيطر التمرد الجنوبي علي كل الجنوب السوداني بالكامل
و انتشرت في ارجاء السودان الحركات المسلحة التي تدعوا الي حمل السلاح في وجه الحكومة المركزية بسبب ان الحكومة كانت طائفية جدا و قبلية جدا و لا تراعي مطالب اهل السودان من قريب او من بعيد بل كانت تسمم عقول الشعب السوداني باشياء مثل ان الحكومة تطبق الشريعة الاسلامية و انها مستهدفة بسبب ذلك –و ان الاستعمار يريد العودة و ان حكومة مصر تريد السيطرة علي السودان و ذلك لاستفزاز الشعور القومي و الشعور الديني لشعب السودان –مع ان الغريب ان كارلوس قد تم تصويره في حفلة ماجنة و هو يحتس الخمر و يرقص وسط النساء النصف عاريات سودانيات و غير سودانيات في قلب الخرطوم تحت حكم امير المؤمنين عمر البشير و الترابي
و هنا نجد ان الشرق السوداني حمل السلاح
و الجنوب السوداني حمل السلاح
و الغرب السوداني حمل السلاح
و لكن الغريب ان النوبة السودانية و الشمال السوداني القريب من مصر لم يحمل السلاح
و نظر اهل النوبة الي الوضع السوداني القائم و ادركوا ان لا امل لهم في  الحكومة المركزية السودانية ---فلا حق للعودة فتواصلت العودة العشوائية و ايضا الهجرة الي الجانب المصري او الي الخرطوم او الي خارج السودان الي اوروبا و امريكا
و ادرك النوبيين السودانيين الذين ارتفعت بينهم نسبة الامية و الفقر و البطالة
ان البحيرة ليست هي الحل و لكن الهجرة الخارجية هي الحل الامثل فتركوا ارض الاجداد و الاباء و هاجروا 
ومن هنا تنتهي اي معلومة عن النوبة السودانية ---و لا توجد معلومات متوفرة عنها بعد ذلك كانها قد ذابت و انتهت و لا وجود لها في الوجود السوداني و من رايي الشخصي ان هناك تعتيم مفروض علي النوبة السودانية  لطمس الهوية و انهاء القضية و اضاعة الحقوق التاريخية  الانسانية للنوبيين و التملص من اي التزام قديم او انهاء اي مطالب مستقبلية
و لا استبعد قيام الحكومة باشياء بغيضة تجاه اهل النوبة السودانية و لكن المشكلة ايضا ان النوبة السودانية لا يوجد بها بترول---مثل دارفور او الجنوب السوداني -- اي لا يوجد من يهتم  ويلفت الانتباه الي قضية النوبة السودانية  
و للحديث بقية  

السيد سعيد
الغردقة في 13\11\2011

19 أبريل 2012

حكايات إسلام صالحين



اتكلم عن التهجير؟؟ طب ما الكل هيتكلم عن التهجير !!
اتكلم عن احلام واماني النوبيين وحلم العوده وعودة الحلم ؟؟.....ما طبيعي ان الكل هيتكلم عن نفس الهري ده

اتكلم عن عنصرية وطن ضد ابناؤه ؟؟؟ ريقي نشف وماحدش مقتنع

طب لما أجي ادون عن النوبة اكتب ايه ؟؟؟ اقول ايه ؟؟

بصوا الصراحة والصراحة راحة ...جيلنا كله النوبة بالنسباله حكايات ...احنا الجيل الثالث المولود بعد التهجير يعني بعض اباؤنا انفسهم لم يعاصروا التهجير ولكن ده ماينطبقش عليا لان المرحوم ابويا عاش تهجيرين مش تهجير واحد لانه كان كبير في السن

لكن هرجع واقول ان النوبة بالنسبالنا هي حكايات عشنها وسمعناها وهموم تزخم بيها الحكايات دي بعد ما تتحكيلك تشارك اللي حكاها في حمل هذا الهم الى ان يموت الراوي فتصبح حاملا وحدك همومه وهمومك بل وهموم قوم ولغة وحدوتة كبيرة اوي سعادتك

طب ما اقولكم حكايات او خليني اجيبلكم مقاطع من حكايات بتحمل حزن وقهر فرح وسعادة ....ايام اتعاشت وايام اتنست ولغة لم يبقى منها الكثير

اسمعوا يمكن تعوا

من حكاية (جنيهة فاطوم)

لا مش مبسوطين ...مين مبسوط في جهنم الحمرا دي ؟؟ البيوت كانت طوب واسمنت وخرسانة !!! نعيش ليه في بيوت خرسانة .. عيال عبدالله ومراته حسنة راحوا لقيوا البيت مرسوم بالجير عالارض !! حتى البيت مافيش ضحكوا علينا ابويا جاب معاه فسايل نخل وهو جاي من البلد كان لاففهم في حصير علشان الحكومة ماتعرفش مكانوش حتى عاوزينا نجيب فسايل نزرعها في الارض الجديدة ....مالقيناش مية في الارض مالقيناش ارض اصلا !!! لا بيت ولا مية ولا ارض بس عيشنا ابويا حفر للفسيلة على باب البيت ... الارض ولعة نار ..الفسيلة ماتت في اسبوع واحد بقت حطب ...والناس عاشوا !!!

من حكاية (سيد عواض)

راحوا قالوا لبتوع دابود (احدى قرى الكنوز) لازم تمشوا مافيش ارض عندكم والجبال محاوطاكم وخلاص الفاجيكة هيرحلوا وانتوا اول ناس هتغرقوا يلا هنجيبلكم المركب ولملموا العنجريب (السرير النوبي) ويلا هتروحوا بلد تاني فيه ارض ومية وزرع وبيت اكبر من بيتكم

بعدين راحوا للفادكات قالولهم خلاص الكنوز اخدوا الفلوس و رحلوا ومافيش نوبة تاني يلا ارحلوا انتوا كمان ....كانوا بيوقعوا بينا وبين بعض وكرهوا الناس في الناس وكانوا قاصدين علشان محدش يقول لا هنفضل مش راحلين بس الكل صدق وزعلوا من بعض وفي الاخر الكل خسر والكل رحل

من حكاية (معروفية)

قالوا الكنوز رحلوا في مراكب كبيرة ونضيفة بس ماحصلش فلايك وصنادل وكله سوا الحصير و المواعين والعنجريب والهدوم والناس كله كله على بعضه لا اللي في الاول سافر مرتاح ولا اللي اتأخر هاجر مرتاح بس اللي سافروا بدري اتصدموا بدري وشافوا الوجع بدري ..... حكمت (تقصد الوزيرة حكمت ابو زيد ) قالتلنا انتوا المهاجرين و الانصار بانتظاركم في كوم امبو !!! والله قالت كده كمان عبد الناصر جابوه ووقفوه قصاد تمثال رمسيس كان حاجة تخوف والله راحوا لا لقيوا انصار ولا لقيوا ناس ....صحرا صحرا ورملة صفرا ولا في مية ولا ترعة حتى ولا في ارض اول ارض خدها الناس كانت بعد 8 شهور ... الكل هج يابني محدش اتحمل

من حكاية (نصرة حامد عطالله)

كنت عيلة صغيرة وقت التهجير وبلعب عالمركب انا والعيال ورسمنا سيجا بنات ودورنا على قشاط مالقناش حاجة تنفع ملقناش غير روث جاف من الحيوانات اللي كانوا بينقلوها على المراكب اللي نقلينا فيها ....لعبنا بيها

من حكاية (آمنة سر الختم)

انا كنت مع زينب جونيه اللي حكيوا عنها في رواية جبال الكحل ماكنش اسمها زينب بس نقول انها زينب او يمكن زينب حكايتها نفس حكاية الشابة اللي ولدت عالمركب وجالها حمى النفاس ومالحقنهاش .... البهايم اللي كانوا بينقلوها مطرحنا كانوا يشرطوا على التاجر انها تسافر مع بيطار والبني ادمين ماخلوش معاهم حلاق صحة حتى في الرحلة الطويلة دي !! الشابة ماتحملتش ياولداه فرفرت بين ايدينا وكانت بتنده على جوزها وضناها ... ولا واحدة من اللي كانوا عالمركب كانت بترضع .... ضنى الشابة مات من الجوع ولا رضيش يشرب كراوية ولا أيسون ....و ابوه مات وهو عايش حسبنا الله ونعم الوكيل

من حكاية عم سعد

12 راجل طويل عريض ملمومين علشان يتعاطوا !!! لا مخك مايروحش بعيد كانوا بيتعاطوا شاي بلبن .... اه يابني والله ماكانش في مية ولا تموين ولا فلوس كله دامو (مافيش بالنوبية) والناس ماتستغناش عن الشاي النوبي باللبن يختاروا بيت كل يوم يعمل براد شاي و يتلم الرجالة حلقات بره البيت يغنوا وبعدين يقتسموا الكام كوباية كل 12 في كوباية .. يشربوا و يروحوا وأدي التهجير واللي عشناه في التهجير

من حكاية ( الجارية حسين )

ماعرفش انا عايشة لحد دلوقتي ازاي !! امي دفنت 4 عيال (اخواتي) بعد التهجير نور الدين ومحمد وحسن وعبد الله .... نور ومحمد كانوا توائم وعمرهم كان 3 سنين وعبد الله كان الكبير 6 سنين و حسن كان 4 شهور كلهم ماتوا في اول سنة من التهجير التوأم ماتوا سوا في اسبوع واحد من ضربة شمس

وحسن جاله جفاف شديد وملحقهوش و عبد الله جاتله حمرة ومات في اسبوعين وكله من جو كوم امبو المقابر من كتر ما كانت مابيدخلهاش الا الاطفال الصغار سموا الترب الحضانة انا اتولدت في ثالث سنة من التهجير سموني الجارية لانهم كانوا خايفين عليا من خطافة العيال اللي الصعيد باعتها تخطف عيال النوبيين وتخنقهم !!

من حكاية الحاجة (عطية )

تلتقط الحديث من الجارية ...المدرسة الابتدائي ماكنش فيها فصول اولى وتانية ابتدائي !! ماكنش في عيال اصلا كله في الحضانة كله ماستحملش كله هاجر وخاف على عياله

ده النذر اليسير من الحكايات اللي بتتحكي في بيتنا وبيوت اهالينا من اللي عاشوا وعاصروا واتسحلوا في التهجير وبالتهجير

طيب امال جيلنا احنا اللي ما عاصرش التهجير بيحكي عن ايه ؟؟

من حكاية (سالي نوار)..استاذة جامعية

كل اللي بيحصل في النوبة وللنوبيين مؤلم ...لما اكون استاذة جامعية وكل ما افتح مسلسل ولا مسرحية ولا فيلم الاقي النوبي مالوش دور غير انه يكون مسخة وتقليعة واراجوز القعدة يبقى انطباعي ايه ؟؟؟ اقول لصحابي والناس الغريبة ايه عن النوبة وهم كل معلوماتهم هي عثمان عبد الباسط وادندان اللي مابيقومش بدور الا دور البواب !!

لما الاقي تترات فيلم (صعيدي في الجامعة الامريكية ) مكتوب مع نجمة النوبة :مستورة .....وتطلع الليدي مستورة قايمة بدور غانية وراقصة تأكل بثديها ولا دور لها الا مطاردة البطل للنوم معه بل وتتمادى في البغي و تضيفه في بيتها لا لشيء الا للاستمتاع به !!! بينما البطل نفسه لا يتورع عن اهانتها طول الفيلم ومعايرتها بلونها ...ده اساميه ايه ؟؟ مناقشة قضايا المجتمع ولا عنصرية فجة وقذرة ؟؟

من حكاية (احمد خالد) مهندس استشاري

 يلتقط الحديث من سالي ولا سليمان عيد في فيلم عيال حبيبة والاهانة المتناهية لاصحاب البشرة لسمراء ولا مسرحية حكيم عيون وفصل كامل من التأليس وممارسة العنصرية على البنت السمراء في المسرحية !! ابني اول ما اتعلم يمسك الجرنال ويقرى مقتطفات قالي بابي هو مش انت قلتلي ان احنا نوبيين قلتله :اه يا حبيبي ...رد وقالي طب ليه انت مش بتشتغل سواق ؟؟ قلتله ليه بتقول كده قالي اصلي قريت 3 مرات في الجرنال النهارده في الصفحة دي (اعلانات وظايف ) مطلوب سائق نوبي ....هو كل النوبيين لازم يشتغلوا سواقين .؟؟

 المفروض ارد على ابني اقوله ايه ؟؟

من حكاية (نجوى عصام ) مدرسة

انا مش نوبية بس كان عندي تلميذ شعلة في الذكاء ولما طلبنا في حصة معينة كل واحد يطلع يتكلم لمدة 5 دقايق عن شيء بيحبه ويعتز بيه .. طلع اتكلم عن انه نوبي ومن عائلة نوبية وان النوبة جزء عزيز من مصر وحكى عن تاريخها واصالتها وكل الفصل كان سعيد جدا باللي قاله وبعد كام يوم لاقيت حالة الولد سيئة جد وبيعيط طول اليوم والولاد مش مبطلين سخرية منه لانهم سمعوا اغنيه هيفا وهبي اللي الطفل بيقول فيها عاوز (القرد النوبي) ومن وقتها الولاد بيعايروا زميلهم بالكلمة دي لدرجة انه قالهم انا مش نوبي مالكمش دعوة بيا

من حكاية (علي حازم ) حاصل على ماجستير العلوم الزراعية من هولندا

انا درست في هولندا النباتات الطبية والعطرية و من درستي اقدر اقول ان افضل الاراضي واجودها لزراعة النوع الغالي جدا ده من النباتات هي منطقة ما خلف السد العالي وشوفت انها فرصة عمري اعمل مشروع لتنمية المجتمع النوبي بما اني نوبي واقدر افيد واستفيد مع اقتراب عودة النوبيين لاراضي ما خلف السد وعملت دراسة جدوى لمشروع ضخم وقدرت اجيب ناس تمول الفكرة كلهم من النوبيين المقيمين في الخليج بس طبعا واضح ان احفادي لو ليهم عمر يمكن ينفذوا المشروع لو رجعوا لاراضي ما خلف السد (في المشمش)

قائمة الحكايات ما بتنتهيش تقريبا وكل ما تحبوا تسمعوا حكايات هتلاقوا حكاوي بالهبل .......في ظروفنا دي نحن لا نملك الا الحكايات وكل حكاية يتجدد معاها وجع جديد وألم اعمق و عذاب يبقى للابناء والاحفاد ان يرثوه كما ورثناه من من سبقونا

بقلم / إسلام صالحين


ترحال باق الجسد

بجدونــا سدا كــلكن
كو امبوم ايجن نام بلد
وليكا ديكــا الكوجا
جطر لوجـا بجدوم خشم الجربة لكن
تنيه كي كيككوجــا



جيل جيل تون النوجا سين
اركونا دور اررتو كير
جلبوا بيرو سوكوجا
اوج تلاه تو فشو
نهار الشوم لاتوم بال بالك
كج الكوجــا


ووه دونيا نوكسن كيلا تون
ايى فيل لوجوا ورويجا نايجو الكوجــا

سونتن صوباعك تون
كيكا بايين النيجر
ورويلا تون البايرو كوجكوجــا
مــين نـــيجو اهه
مين نيجواا مــين نيجوا

هذه الكلمات التى قد يظنهـا البعض سواء كـان غير نوبى او مع شديد الاسف ان كان نوبى , انها كونت عبر العبث بلوحة المفاتيح
ولكن ما هى الا بضعة مقاطع من لأغنــية " مينجــوا" للفنان النوبى أوندى , الذى حتى الأن لا اعرف ان كان هذا هو لقبه ام أسمه الحقيقيى فى كل الحالتين هو جدير بهذا الأسم ,
يقول اوندى فى رأئعته والترجمة هنا ليست حرفية


بسبب هذا السد قسمنــا لاثنين
فذهــب نصف الجسد بحرى السد(شمالا) لكوم أمبــوا
والنــصف الأخـــر , شحنوا فى القطــار
الى مــايعرف بخــشم الجــربة( مكان تهجير نوبيى جنوب النوبة)


وبلدنا التى عشنا فيها منذ اجيال واجيال
بعثروا فيها وقلبوها رأس على عقب
يالا من نهـــار شــؤم علينــا

منذ هذا اليوم المشؤم وقد ذهبت عقـــلنــا
من هــول مات حدث


ويا هـــول مـــا حدث
ويــا
قسوة ما فعلوا بنــــا
أدمـــوا قــلوبنــا بقسوة
كــانهم انتزعوا اظافرنا من لحمنا


مـــاذا نقـــول
ااه
مـــا بقــى ليقــال
----------
اليوم من المفترض انه يوم التدوين النوبى 18 ابريل , او مثلما ورد فى الفاعلية وانا هنا اقتبس

"18 ابريل كان اليوم اللي رحل فيه اخر نوبي عن الارض القديمة و هو معتقد انه رايح لبيئة مماثلة لبيئته و حياة ادمية يعيشها . عشان كدة قررنا نحيي ذكري اليوم دة بدعوة للتدوين عن النوبة .
النوبة الجزء البعيد المنسي المهمش من مصر في اقصي الجنوب. النوبة الممحية من كتاب تاريخ مصر . النوبة اللي لغتها بتندثر و غير مسموعة في اي وسيلة اعلام مصرية"

ولكـــن الدعوة أتت بحس نــية من الكيان الداعى الذى له أنتمــى , فسقط سهوا أن هذه البلاد التى كان اولها دابود شمالا وأدندان جنـــوبا , والتى من أجلها قامت فكرة يوم التدوين , ما هى الا شطــر واحد من النـــوبة , فلا حديث عن تهجير لا حديث عن معاناة , لا حديث عن نـوبة دون ذكر
"حلــفا" , " اشكــيت " , "دبيـرة"
هذه الــبلاد التــى وغيرها تمثــل بــاقى الجسد النـــازف فى الجنــوب , النوبة كمــا عرفوها اجدادنا التى لا تعترف بنقطة حدود , او مديرية مصرية او خط عرض وهمى حدده الأحتلال , او عملة تفقد قيمتها بعد تخطى الجندل الثالث ,
فأن أقتنع البعض ان نـــوبته فقط ال44 قرية المهجرة بالاضافة لقرى الشلال باسوان , فاسمح لــى ان اقول انك تبخس نوبتك ونوبيتك حقــها والاصعب من هذا كله , انت تقطع رحمك
فمنذ ان وجد النوبيين على الارض لم يكونوا يعرفوا هذا التقسيم الذى اتى بفكر من شيطاني الأنس , المقبور شمالا " عبد الناصر" والمدحور جنوبا "ابراهيم عبود" , الذين استأثر وأستأسد كل منهما على شطـر من شطرى النوبة , فعملا على فصل الانتماء بوحدة النوبة , التى للأسف اصبحت جلية للعيان فى شطر النوبة الشمالى , دون تعمد وفى غفلة منا للأسف ومع الألة الأعلامية الرهيبة التى للاسف أخذنا بعض مفاهمينا منها , فاصحبنا لا نرى الا نصف الجسد وتهجــيره غير ممعنين الى اين ذهب الحال فى ترحال باقى الجسد
بل ويا عظيم السخرية ,عندما نريد ان نبين فداحة تعويضاتنا الهزيلة شمالا , نقارن بكل سذاجة ما بينها وبين تعويضات اهلنا فى الجنوب , وكأن أهلنــا فى الجنوب قد اعطوا ما يحتاجوا وأزيد , وكأنهم قنعوا بتهجير خشم الجربة على وادى حلفــا , متناسيين او لنكون أكثر صراحة جاهليين بان نصفنا الجنوبى ابدا ما رضى ولا قنع على ذل وشتات , فكيف نتصور بكل سذاجتنا كنوبيين فى الشمال ان من هتف
"حــلفا دغـــيم ولابــاريس "
قد اقتنع بما قدم له , كــيف له ان يقنع
باى بيت مادام لم يبنى على ارضه , وكيف يقنع باى ارض مادامت ساقيته لم تدور لتسقيها

, فنوبى الجنوب فى اول يونيو من تهجيره فى منطقة الاسكان بخشم الجربة , هبت عليه عواصف عنيفة محملة بالرمال اشبه بالاعصار فاطاح بسقوف بيوت القرية رقم 22 (دغيم) واقتلع الاعمدة من الشوارع وفجرح العديد من النوبيين جراء هذا المناخ الذى لم يعتادوه فى خشم الجربة , ونفق العديد من ماشيتهم
ولم تكن تمر هذه الحادثة حتى أتت أمسية فى اول اغسطس بفصل اخر من الرعب فى تهجير خشم الجربة , حيث قامت زوبعة رعدية وهطلت الامطار كافواه القرب مصحوبة ببرق ورعد مرعبيين , فارتعب النوبيين لاذين لم يصادفوا ابدا مثل هذا المناخ والطقس فى ارض اجدادهم لدرجة ان احد امهاتنا من شدة فزعها اغلقت دولاب ملابسها غلى طفليها

النوبى الذى شهد منازله فى دبروسه تذوب ككقطع البسكويت
فى طوفان صنعه شيطاين البشر , مثلما رأينا فى قسطل ودهميت نخيلنا تصارع الفرق بهامتها وقت ان بلغت المياه اعناقها

اذا كنا نتحدث عن شقوق وتصدعات فى بنايات تهجير كوم امبوا الاسمنتية التى زورا سموها بيوتا , ففى خشم الجربة بنوا مساكن اهلينا على عجالة وتلكوا لدرجة ان توقيعهم اتفاقية اعمار المنطقة الجديدة سبقت فترة اغراق حلفا باربع سنوات , وهى المدة التى كانت كفيلة باعداد هذه القرى على اكمل وجه , ولكن لماذا يفعلوا هذا , لماذا يعوضوا النوبيين اصلا ولو بالقليل ,

اذا كانوا يضمروا الخير اصلا لنا فلماذا هجرونـــا

واذا كنا نشتكى فى تهجير كوم أمبو من بعد الاراضى الزراعية ووتغيير نوع التربة التى طلب من النوبيين ان يأتوا بمعجزة ليسطصلحوها ونقارن مخطيئين بحال اهلنا فى نوبة الجنوب , ظانين ومتجنيين عليهم انه فى راحة , فكل هذا يضحده ما تعرض له اخواتنا من عدم ملائمة هذه الاراضى للمحاصيل المعيشية مثل العدس والترمس والبسلة التى كانت تعد منها اغلب الاطباق النوبية واستحالة زراعتها فيما سمى حلفا الجديدة ,

أذا كـانوا يريدونـا زراعــا فلمـــاذا هجرونــا


اذا اشتكينــا نحن فى نوبة الشمـــال من أمراض صاحبت ظروف التهجير واودت بحياة اطفالنــا وبعض شيوخنــا , فمازال ناسنا فى حلفا تحصد أرواحهم أكمالا للجريمة الشنعاء التى اقترفتها حكومتى مصر والسودان مع سبق الاصرار والترصد , فبيوت اهلينا فى حلفا بنيت اسقفتها بمادة الاسبستوس التى تحدثت عنها
منظمة العمل الدولية فى الاتفاقية رقم 162 لسنة 1986 في دورتها رقم 92 التي تعرف باسم" الحرير الصخري " وتضمنت حظر استخدام هذه المادة بجميع أشكالها والإستعاضة عنها بمواد أخرى ومنتجات أخرى عديمة الضرر أو أقل ضررا كما و ضعت هذه الاتفاقية استثناءات من الحظر في حالات معينة حددتها بشروط اتخاذ إجراءات وتدابير صارمة تضمن عدم تعرض العمال للخطر.
اثناء بنائهم للبيوت التى تستخدم الاسبتسوس فى تثقيفها , ,
ما الوكالة الأمريكية لحماية البيئة في أمريكا فتعتقد أن التعرض لألياف اﻷسبستوس عن طريق مياه الشرب قد يصيب الإنسان بأمراض سرطانية في الجهاز الهضمي
ولنا ان نعرف ان استخدام هذه المادة فى بيوت ناسنا فى ما يعرف بحلفا الجديدة , جعل منها قبورا
كما جاء في دراسات جمعية النهضة النوبية، وارجعت العوامل الى وجود الاسبستوس بكميات كبيرة، الذي يستخدم الى الآن في أسقف المنازل وشبكات المياه في عدد كبير من قرى الإسكان.. وتجدر الإشارة الى أن الإحصائية التي أعدتها جمعية النهضة لم تشمل أحياء المدينة لصعوبة الحصول على عدد المصابين ولعدم معرفة سكانها ببعضهم. خاصة أن الدراسة أعدت بصورة غير علمية أي بواسطة أشخاص عاديين في القرى لإحصاء المصابين بالمعرفة الشخصية بالاضافة إلى ان هناك قرية من قرى الاسكان لم تدخل في قائمة الإحصائية مما يدعو إلى الشك بأن الإحصائية التي وردت في تقرير جمعية النهضة النوبية لم تظهر العدد الحقيقي للمصابين.
وبلغ عدد المصابين في الاحصائية «722» أغلبهم في عداد الأموات لأنواع السرطانات التي أصابتهم. وسجل سرطان الحلق أعلى نسبة الاصابة من بين الأنواع الأخرى حيث يبلغ عدد المصابين به «301» من العدد الكلي «722»، بينما بلغ عدد المصابات بسرطان الثدي «27» امرأة، فيما بلغ عدد المصابات بسرطان الرحم «06» امرأة - وسرطان اللثة «7» حالات، بينما لم تورد الاحصائية أعداد المصابين بسرطان المستقيم الذي أيضاً ينتشر في حلفا الجديدة وسرطان المهبل

. اذا كــانوا يريدونــا أصحـــاء فلمـاذا هجرونـا


هذا هو ما يعانيه نصفنا الاخر جنوبا , هذا ما يخفى على معظمنا فى الشمــال
برغم ان هذا النوبى فى الجنوب


فى الحق اقرب الينــا من اى مـصرى ونحن أقرب اليه من اى سودانـى
فالانساب واحد , والعائلات هى نفسها , والهم واحد والنوبة واحدة

أرادوا محــــونــــا ولهذا هجـــرونـــــا

" كـــورجــا سوكــا جــام
ســد نولــيه
طــوب طـــوبة نــسوكــا
أمن تـــرونيه
طــوفان نـــسوكـــا
البهر رونـــيه
جـــيزة لـــوج فـــلان
كوكــى تنونـــيه"

-------------

مراجع :

" هجرة النوبيين"
قصة تهجيرة اهالى حلفا
لحسن دفع الله


----
مقال
لنبيل صالح
فى الراى العام
حول مشاكل حلفا الجديدة الصحية

---------
اللوحة الفنية
للفنان الصديق المبدع
"أبراهيم سيد"
تعبر عن مصاب اهلنا فى حلفا
من جراء كمائن الموت التى هجروا اليها
وحصادها لأنفس نوبية زكـية

بقلم / مازن علاء الدين 

18 أبريل 2012

فى نعى الوطن والنهر والناس

بقلم / مصطفى الشوربجى 

جرت العادة ومن قديم الزمان على أن يتنقل الإنسان من مكان إلى مكان . من مسقط رأسه لعالم اخر. من موطنه إلى مواطن جديدة بحثاً عن الرزق وسبل العيش وأستكشاف العالم وعمارة الأرض .. فيرحل عن موطنه الأصلى لموطن أخر , فى هذه المعادلة يكون الأنسان هو المتغير والمكان هو الثابت بمعنى ان الانسان هو من ينتقل ويرحل ويغادر والمكان باق سواء الوطن الراحل عنه أو الواطن الجاى ليهو .
إلا فى قصتنا هذه .. فقد إنكسرت تلك المعادلة وتبدلت أطرافها . وأصبح الوطن هو المتغير و الأنسان هو الثابت .
الوطن هو منّ رحل .. الوطن هو منّ غادرنا .. الوطن هو منّ مشى عنا وغاب ..
وأختلفت الأسباب وإن تشابهت . فالوطن ذهب ليس بحثاً عن رزق و سبل العيش ولكن لزيادة الرزق وتحسين سبل العيش .. هكذا قالوا لنا

الوطن والنهر
كان وطننا يعيش على ضفة جاره ورفيقه النهر عبر الآف الأعوام .. كانت تتراوح علاقتهما بين مد وجزر بين تقدم وانحسار كانت علاقة تشوبها المداعبة و تبادل المزاح , فى الصيف يبدأ النهر فى قضم جسد صاحبه ويأتى الشتاء ويأتى دور الوطن ويبدأ فى التغول ومحاصرة النهر .. وأستمرت العلاقة هكذا بين كر وفر صيفاً وشتاءاً فى تلك الايام الخوالى من أعمارهم المديدة .
حتى جاءت أيام خبيثة , وأصابت النهر شهوة عدوانية ونوبة جنون عاتية فأبتلع فى لحظة مشئومة من عمر الزمان جاره بالكامل و للأبد
لم يدرك النهر ماذا فعل طوفانه . فقط نظر حوله ولم يجد الوطن . لم يجد الجار والرفيق . ثم تحسس أحشاءه فأدرك فعلته الجنونية ..
تحسس شواشى النخيل وهى تتخبط داخله بفعل تياراته . تحسس البيوت و المصاطب والحقول وهى راقدة بداخله . سمع أصوات أصحابه وأحاديثهم و نمّاتهم وضحاكتهم فى ليالى الصيف الرطبة يتردد صداها بين جوانحه . ثم كانت الصدمة الكبرى حين أدرك انه بات قبراً كبيراً جامعاً لقبور أحبائه ورواده الذين تبركوا به دوماً فى حزنهم وفرحهم . أصابته لوثة . انتفض النهر حزناً وجزعاً وراودته اوهام العز القديم والجبروت الماضى وهب يقوم صائحاً فى هلع . أراد أن يصرخ وينعى رفيقه وأحباؤه فأصطدم بجدار أسمنتى قبيح .. فتكسرت سواعده وصرخاته علي الجدار .. وكانت هزيمته .. وكان إدراكه أنه وكما قضى على رفيقه فإنها نهايته ايضاً فمضى بعد الجدار شائخاً منكسراً مهزوماً يجتر امجاد ماض تليد وفيض عارم وشباب طاغ .

الناس ..
ويبدو أن النداهة قد أختارتنا دون عن باقى البشر فبدأت بالنهر الذى قضى على الوطن فمات النهر وإن عاش و ذهب الوطن ثم جاء دورنا
مضينا نحن أيضاً . فقدنا موطنّا ونهرنا . لم نختار الرحيل ولكن اختار الوطن أن يرحل وعندما تقرر الأوطان الرحيل فإنها ترحل وهى لا تعلم إنها تأخذنا معها . تأخذ أرواحنا وأصوتنا واحلامنا وذكرياتنا . فنبقى أجساد ... أجساد فقط بلا أرواح


عن ايامي الحلوة و العادية و السودة و المختلفة

بقلم / فاطمة إمام

لاني عندي مشكلة في ان الناس لما تتكلم عن البلد ما تفتكرش غير النخل و النيل و البيت القديم و الارض ... و لاني ما اعرف عن النوبة الا ناسها ...فقررت اكتب عن ناس البلد ...عن النوبيين ...
انا اتولدت في القاهرة و صحيح انا من بنات العاصمة الا اني اتولدت في كوميونة نوبية جدا ...بيتنا كله نوبيين ...انا عايشة في عمارة مع عماتي و ولاد عماتي ...فعادي جدا اني اصحي الصبح اسمع عمتي سيدة الله يرحمها بتناده علي عيل من العيال الصغيرة بالنوبي و انا واثقة تمام الثقة ان العيال فهمت اساميها و بس . بس و شوية و ماما بتطبخ و لا بتنضف تشغل الكاسيت علي اغاني نوبي و انا اقعد الف وراها و انا بارقص ..او هي تسيب اللي في ايديها و ترقص معايا .
انا اصغر من كل ولاد عماتي و هما عندهم ولاد من دوري انا و اخواتي ..عشان كدة حضرت افراحهم كلهم و دي كنت من ايامي الاكثر سعادة ...مش بس فكرة الفرحة اللي كله رقص و غنا ...لا كمان سيطرتي علي بلكونة بيتنا و عدم سماحي للعيال الغلسة انها تتفرج من عندنا ...لان اغلب الافراح او علي الاقل الحنة بتتعمل في الشارع .
انا فاكرة ان من احلي المناظر اللي ثابتة في ذاكرتي هي صفوف الاراجيد و هي بتتحرك في نظام و عكس بعضها و بتشكل صورة بديعة و الستات بهدومها الملونة و شكل العصيان الملونة المربوط عليها شرايط ملونة و ريح العطور اللي بتترش علي اللي برقصوا . المشهد بجد مش بس مبهج ...التراص و الانسجام في الحركة دلوقتي بيحسسني ازاي اننا جماعة متماسكة رغم كل محاولات تقطيع الاواصر اللي بيننا . و كنت برضه لاني متمردة بطبيعتي باتغاظ جدا من عمتي صليحة اللي ماسكة عصايا ساعات و كرباج ساعات و بتنظم الصفوف و بتهش العيال عشان الصفوف تبقي منظمة و انا طبعا مش من اللي بيتهشوا و كرامتي كانت نتأح عليا من المعاملة دي . و اجري اشكي لماما .
كنت بافرح اوي و احنا شايلين الحنة و بنلف الشوارع اللي جنبنا و الجيران تصقف و تزغرد تفاعلا مع الحنة ....حتي لو مش فاهمين كلمة من اللي بيتقال .

دة في الفرح ، في الايام العادية كانت اكثر حاجة باحبها ستي ام ستي فاطمة اوش الله .... كانت فوق التمانين و فقدت بصرها في اخر عشر سنين ...كانت احلي حكاءة في التاريخ ..و طبعا بغض النظر عن العربي الغريب بتاعها بس حكاياتها كانت علي طول حلوة و كنت باحب اوي لما يجي خالي كامل ، ابن اخوها و تقعد ترطن معاها بقي بالنوبي و تحضنه و تقول له انت اللي فاضل من الغاليين و انا ابقي مبسوطة لا ستي مبسوطة عشان شفته ...حتي لو بقلبها . و انا و بنات خالي كان لنا دور فعال في محاولة لتحسين العربي بتاع ستي ... للي لما كانت تزهق من حصص العربي بتاعتنا تقول " باعرفي الفاتحة و الصمدية ...كفاية " .
و كمان في الايام العادية ...اتعلمت في بيتنا ان من جد وجد ، امي و ابويا اللي جايين من اصول اجتماعية شديدة البساطة، شقيوا في دنيتهم عشان يوصلوا للي وصلوا له ، و كان التعليم هم المحرك للانتقال الطبقي في عيلتنا كلها ، و انا كمان امنت بالفكرة دي و كتير من النوبيين ، عشان يحققوا حياة افضل لهم و لولادهم شقوا طريقهم بايديهم في قلب الصخر . و اللي لسة بيبهرني في امي مثلا مش بس انها مرتبطة باهلها و عمر نفسها ما كبرت ، الا انها دايما بتفتكر الماضي رغم قسوته الشديدة انها ايام راحة البال و ان كفاية ان اللي الناس اللي كانت بتحبهم كانوا موجودين قبل ما يقابلوا وجه كريم.
و جنب الفرح و جنب الايام العادية كمان في الايام السودة ، و لعل اسود ايامي ...لما ابويا مات ... لسة فاكرة عيون ولاد عمتي اللي مش بس مفزوعة بس مش عايزة تصدق ...لسة فاكرة عمتي سيدة الله يرحمها و هي بتندب بالنوبي ..و كل اللي فهمته منها اسم ابويا ... امام.. و عمي عباس اللي ربي ابويا و اللي طول عمره اكثرنا تماسك و هو بيصرخ و ابويا ..بيدخل القبر ... اعيش ليه و امام في التراب . يومها شفت عشرات العمات و الخالات و لم يتوقف توافدهم لغاية الاربعين . دة غير اللي قطعوا مصر من اسوان للقاهرة بس عشان يجييوا يواسونا

دي الايام الحلوة و العادية و السودة و في كمان الايام المختلفة و دي اللي كانت هناك في البلد ..... انا روحت اسوان كتير ...بس نصر النوبة مرتين بس تقريبا ... المرة الي فاكراها في 2006 ... كنت رايحة احضر فرح و لفيت بقي روحت ابو سمبل و اتهوست من منظر النيل قرب المعبد و روحت ابريم قريتي و كمان بلانة و توشكي بلد امي ...كنت سعيدة و سعيدة اني باكتشف عالم جديد...اكتر حاجة فكراها رغم اني كنت منزعجة منها ....اني طول ما انا ماشية في ابريم ....العادي اني باصة قدامي ....الناس كانت قاعدة علي المصاطب بعد المغرب في الهواء .... بقوا يوقفوني انت من ... بنت مين ؟؟ و انا جوايا ام التحقيقات بقي ... و ينتهي الحوار دايما انا عمتك يا بنتي و لاني غبية ...كنت باسأل ازاي و يشرحوا بقي ...خد عندك بقي نص ساعة شرح و بعدين بوس كتير بقي و تنده عيالها يسلموا .... مرة مثلا و انا في بلانة عند ولاد عم ابويا واحدة من بنات عم ابويا باستني ما لا يقل عن 16 بوسة و انا هنجت و زقتها بالراحة و هي حسيت ان اتوترت و بصت لي بكل الود اللي في الدنيا و قالت لي انت بنت اخويا الغالي .
اه نصر النوبة مكان مقبض جدا ...بس انا حبيت الروح و الناس الودودة و الامان .
دة ملخص عن ايامي


ماتت جدتى و لايزال قلبها يدمى

بقلم / مروة زكى 

فوق الرمال الناعمة على شاطئ النيل وجدتها تجلس تعبة تتألم ، فتعجبت ؛فما الذى أتى بها الى هنا. حاولت أن أساعدها على النهوض و لكنى لم أقوى على ذلك فانتقل احساسها بالألم الى داخلى مضاعفا. فحملت احساسها بالألم مضافا اليه احساسى بالعجز عن مساعدتها، حتى مر بنا صديق و رأى ما نحن به فتبسم و نادى على أصدقائه ليساعدوها. فطلبت جدتى منهم أن يضعوها على السرير بجانب النهر و أبت أن تذهب الى مكان آخر. فحملوها و وضعوها فى سريرها و عدلوا وضعيتها مراراها بما يجعلها أكثر راحة. فما كان منها الا أن تبسمت و دعت ربها لهم.
صحوت من نومى متعجبة لما رأيت فجدتى ماتت منذ أربعة أعوام. و المكان الذى وجدتها فيه لم أرها فيه من قبل فقد كانت تعيش فيه منذ عشرات السنين قبل أن تغمره المياه بعدما بنى السد العالى؛ و قبل أن أولد أنا و أصدقائى فى الحلم. و ما الذى أتى بهم الى هذا المكان و هو لم يعد موجودا من الأساس . و لبثت حائرة فى كل ما رأيت.
و لكن سرعان ما بدأت تنهال على رأسى كل تلك الصورللآلام التى كانت تعيش بها و الدموع التى كانت تنهال على وجنتيها عند التفكيرفيما فقدت من وطن كان بمثابة الحياة لها و لعشيرتها. فما كان النيل سوى شريان الحياة لهم بما يحمله لهم من الخير و الرزق. و كان لهم الطبيب النفسى و دواء الجروح يشكون له أحزانهم. و لا ينسونه من أفراحهم فيمشون اليه بالزفة حاملين اليه العروسان ليبارك فرحتهم، ثم يحملون اليه الوليد ليبدأ حياته منه، و نسمات هوائه التى يتنفسونها هى ما تبقيهم أحياء ليرتووا من مائه؛ و من طمى ضفافه يرزقون.
و بالطبع لم تكن الحال هكذا فى ما استبدلت به تلك الحياة. عشت معها فى قرية من قرى النوبة بالتهجير داخل ما يشبه المعسكرات. فالبيت النوبى التى عاشت فيه بطابعه المميز للحضارة النوبية و بحجراته الصيفية منها و الشتوية؛ و رسوماته الفنية التى تعكس روح الفنان التى تعيش داخل كل نوبى؛ و رائحة الأصالة التى تعطر جنباته فتزرع ذلك الحنين داخل كل من يدخل عتباته؛ لم يعد هو نفسه ذلك فقد اختزل الى حجرات متلاصقة لا يفصله عما يجاوره سوى جدار لا يحترم خصوصية اهله. دور خنقت اهلها فما عادوا يشعروا انهم فى بيوتهم.
و حظيت الأراضى الزراعية بنصيب وافر من التغيير بعدما فقدت ما يمدها بالحياة. فتجد النيل بما كان يمده من مظاهر الحياة اختفى من الصورة و ظهر مكانه ترعة صناعية يمر فيها الماء و كأنه موظف يؤدى عمله فى فتور غير عابئ بما خلق لأجله. و فقد ذلك الارتباط بالماء؛ و اقتصر فقط على تذكره فى الأغانى الحزينة التى كانوا و ما زالوا يسترجعون فيها ذكرياتهم.
و لأن ما يميزالبشر عن بعضهم البعض هو مدى تحضرهم، و الحضارة ليست فى المعمار و العلم فقط و انما فى رقى الموروثات الاخلاقية والانسانية وهو ما تفتقده معظم الحضارات و ان كانت لها تاريخ فالعلم وحده لايبنى الحضارات. و الناظر الى الفارق بين الصورتين فسيجد أنه ليس بفارق مادى و حسب، و انما فارق روحى و فارق فى عنصر هام من حياة الانسان ....انها روح الانتماء ما جعلتنى أرى جدتى بعد وفاتها بسنوات فى أحلامى لتقول لى تلك هى بلدك التى لم تريها و لم لكنك منها و هى منك..
الأصدقاء الذين قاموا بمساعدتها و مسح ألمها و رسم البسمة على شفتيها ما كانوا الا أولئك الجنود الذين عرفتهم منذ وقت قليل و لكنهم حقا اسعدونى لاعطائى الفرصة و اشراكى معهم فى القتال ضد كل من يسلبنا ضحكتنا..فأصبحت أسعد بصحبتهم فى واقعى و أحلامى....


خواطرى حول النوبة القديمة , الهجرة , التهجير , العودة

بقلم / صقر عبد الصادق هلال 

تعد الكلمات الأربعة التي تعنون مقالتي محورية بذاكرة غالبية النوبيين سواء المقيمين فى قري النوبة "التهجير" او فى المدن. سواء كانوا من الجيل الأول الذي عاش تجربة الهجرة او الجيل الثاني الذي سمع بها وبني تصوراته عنها فى خياله.

أتصور أن تناول هذه الكلمات المحورية او النقاط المشتعلة فى الذاكرة النوبية الفعلية او المتخيلة يساعد علي فهم المسالة النوبية بطريقة مختلفة وعدم اقتصارها علي الفهم المادي فقط, ويمكننا ولو جزئيا من ادارك البعد المعنوي والغير محسوس لثقافة هي فى الأساس شفهية ومعاشة بشكل أساسي وبهذه الخصال قاومت واستمرت لآلاف السنين.

وسوف أتناولها من خلال منظوري ذاتي كمعايش ومتفاعل معها محاولة الوقوف علي شكل او طبيعة تلك الكلمات داخل تكويني كأحد أبناء الجيل الثاني ولد باحدي قري التهجير.



النوبة القديمة:

انا من مواليد دهميت وهي قرية صغيرة (500 نسمة) تقع فى التهجير او النوبة الجديدة او مركز نصر النوبة. ونصر هو تحريف لناصر حيث ان الاسم الشعبي للمركز هو "مركز ناصر" او "التهجير". قريتي تبعد عن النيل 2-3 كيلو ويفصلها عنها جبل واراضي قرية فطيرة وقرية فارس (قري غير نوبية مستقرة قبل هجرة النوبيين فى 1964). لم اعش بالنوبة القديمة لكنها محفورة فى ذاكرتي من خلال مجموعة من الحكايات والاغاني والصور الحقيقية والمتخيلة.

معلوماتي عن النوبة القديمة مصدرها الاساسي جدتي ام ابي التي كانت تحكي لي عن النيل وعن الارض التي كانت تزرعها وعن نظافة النوبة القديمة وعن الموالد. لكن ظل هذا هامشيا فى مقابل المصدر الاكثر تاثيرا فى صورة النوبة القديمة فى ذهني والمتمثل فى الاغاني النوبية. لا اعرف اذا كانت هناك دراسات عن دور الغناء فى حفظ التراث الشفاهي النوبي ولكني اتصور انه لولا حسن جزولي (مثال تلك الاغنية المقارنة بين النوبة القديمة والتهجير لحسن جزولي علي خلفية صور للنوبة القديمة مترجمة بالعربية : http://www.youtube.com/watch?v=_TmNu1bJoaQ&feature=related ) ومن بعده حسن الصغير وبشكل متاخر احمد منيب لما تشكلت لدي صورة ذهنية عن النوبة القديمة. حتي سن ال 18 كانت هذه هي المصادر الاساسية لي عن النوبة القديمة وتمثلت فى صورة بيوت جميلة ملاصقة للنيل وملونة ومفروشة بالرملة المغربلة والمغسولة هذه البيوت متلاصقة ومبنية من خلال تعاون اهل القرية وكان هناك سبيل علي الطريق العمومي (مكان يستقبل عابري الطريق وبه ازيار للمياه) لضيافة الماريين والعابرين. كل ما يرتبط بالتعاون والمحبة والصفاء تعلمته من مرثيات حسن جزولي للحياة فى النوبة القديمة وهو ينعي منظومة القيم التي ضاعت نتيجة للهجرة وخراب النفوس نتيجة للاغتراب. في حين تكونت الصورة الوردية للنوبة القديمة كفردوس ارضي فى كلمات حسن الصغير وايضا احمد منيب (بلاد الذهب), بعد ان كبرت قليلا بدات اقرا عن النوبة القديمة وساهمت ترجمة د.احمد سوكارنو لكتاب جون كندي بالاضافة الي كتبه المتوفرة بمكتبة مركز شباب قريتي فى زيادة معرفتي عن النوبة القديمة بالاضافة الي قصص حجاج ادول تحديدا (ليالي المسك العتيق و الكشر).

وكانت احاديث والدي قليلة ومقتضبة عن الزراعة ونهايتها بعد التعليات المختلفة للخزان (1902 ثم 1923 ثم 1033) وكيف ان اهالي دهميت كانو يرسلون ابناؤهم للمدن كي ينجو بهم ولا يموتو جوعا فى بدايات القرن الماضي ثم تحول الامر الي استراتيجية راسخة لديهم. لا يمكن ان انسي ايضا ان الصورة الذهنية اكتملت من خلال مئات الصور التي انتشرت بعد انتشار الانترنت وللمصادفة كانت الكثير من الصور من دهميت وفي بعض جلسات السمر فى نهايات 2000 كنا نتعرف علي اصحاب الصور التي التقطت فى بدايات الستينات لاطفال ولنساء او لشباب القرية فى ذلك الوقت.



الهجرة والتهجير:

مرة أخري تمثل الرثائيات والأغاني اهم مصادري عن مأساة الهجرة فاغنية خضر العطار مثلا التي يقول فيها "قالو كوم امبو الجنة الخضرا لقينا كوم امبو النار الحمرا" احدي اهم الاغنيات التي انتشرت للتعبير عن معاناة النوبيين بالاضافة للاغاني النوبية التي تتحدث الي السد الذي هدم جنتنا الارضية. النوبة الجديدة اذن هي الجحيم الذي انتقلنا اليه مقارنة بالنوبة القديمة التي لم اراها.

واعترف ان دراستي للفقر الريفي وتنقلي بين قري صعيد مصر قد الغت لدي فكرة جحيمية مركز نصر مقارنة بغالبية قري الصعيد التي زرتها لكن تظل مقارنتها بالصورة الذهنية للنوبة القديمة ومدي تهميش الانسان النوبي تسبب الالم لي. خاصة بعد ان قرات وصف هوبكينز (استاذ بالجامعة الامريكية بالقاهرة) وفريدريك فوجل(استاذة بالجامعة التي ادرس بها بفرنسا) عن عملية التهجير بانها تمت علي غفلة من الزمن حيث كانت صورة السد واغانيه تشغل حيزا كبيرا فى حين ان نقل معبد ابوسمبل شغل ايضا الحيز المتبقي ولم تتبقي أي مساحة للحديث عن البشر "الانسان النوبي" الذي اختفي او استبعد او تلاشي امام العملاقين "السد" و "المعبد".

التهجير هي العملية التي تمت وهي اسم المكان الذي ولدت فيه. وتزداد المفارقة بان يلتصق اسم الوطن الجديد بالشخص الذي تسبب فى هجرتنا "مركز ناصر" كما قلت فانت محاصر بذكري عملية التهجير وبشخص المهجر فى كل مكان بموطنك الجديد وبكل اوراقك ففي كل مرة اضطر ان اسجل محل اقامتي او اتفحص بطاقتي واوراقي استعيد كل ما مضي: الهجرة, التهجير وعبدالناصر. الذي لم يسمي باسمه فقط المركز الذي سكنه المهاجرين ولكن ايضا البحيرة التي يرقد تحتها رفات أجدادي. المفارقة ان البحيرة التي يقع ثلثيها فى اسوان وثلثها الاخر بالسودان, يسمي ثلثها السوداني ببحيرة النوبة في حين ثلثيها المصري ببحيرة ناصر. قد يبدو للبعض ذلك رمزيا وغير ذي قيمة ولكن كما قلت فى ظل ثقافة هي بالاساس ظلت وقاومت وحافظت علي نفسها بسبب كل ما هو رمزي ومحسوس وشفاهي تبدو تلك الممارسات والاشارت الرمزية محورية واساسية فى ذاكرة النوبي المعاصر.

انتقل الي الجزء المادي من عملية التهجير وسوف أتحدث عن تعويض ابي ووالدته كمثال فقد حصل ابي علي اقل من 21 قراط (اقل من فدان) موزع علي ثلاثة اماكن 7 قراريط علي بعد 1 كيلومتر من قريتنا, 7 قراريط علي بعد 5 كيلومتر من القرية (بالسلسلة) و 7 قراريط علي بعد 15 كيلو من القرية (وادي خريط) ظل ابي كما يحكي يزرع لمدة 3 أعوام ولكنه اضطر لتاجيرها بعد ذلك لان العائد غير مجزي ولا يستطيع ان يواصل التنقل اليومي او كل بضعة ايام بين الثلاثة مواقع و عمله مدرس. بالاضافة لذلك فقد حصل علي بيت تبلغ مساحته 200 متر وهو بالاساس بيت جدتي لابي. هذا عن الارض ويكفي ان اقارن بتعويضات المتضررين علي الجانب السوداني لنعرف مدي الظلم الذي وقع علي النوبيين بمقايس ذلك العصر وليس يومنا هذا. النوبيين السودانيين الذي هجروا ايضا بسبب السد الي منطقة حلفا الجديدة (ولاية كسلة – خشم القربة) حصلوا علي تعويض 15 فدان بغض النظر عن ملكياتهم بالنوبة القديمة (حلفا القديمة ) كما أنهم عوضوا بمنزل مساحته 400 متر مربع.

رغم كل ذلك ففكرة ان البلد التي انتقلنا اليها هي جحيم مطلق ليست حقيقية ولا دقيقة وربما تثير حفيظة جيراننا من غير النوبيين لان قرانا الجديدة مخططة, وشوارعها مستوية ونظيفة بيوتها متراصة. ليست بالضرورة بجمال البيوت بالنوبة القديمة لان الدولة هي التي صممتها وبنتها كعلب كبريت أسمنتية جامدة خالية من أي ملمح جمالي لكن النوبيات غيرن من شكل البيوت واعدن اليها بعض ملامحها النوبية القديمة وان كانت لم تستعد كل شئ, كما انهن نظفن الشوارع وزرعن الاشجار وبنين المزيارات علي نواصي الشوارع. كما اننا ندين لاباءنا الاوائل تاسيس المدارس الجديدة واعادة بناء جيل نوبي جديد متعلم فيكفي ان اشير الي ان المدرسة الاعدادية التي درست بها – مدرسة دهميت الاعدادية هي مدرسة شعبية بناها سكان قريتي والقري المجاورة من نقود التعويضات الزهيدة وبايديهم استجابة لنداء حاج النيل رائد التعليم فى قريتي. فالتعليم الحديث ربما يكون احد المكاسب الاساسية التي تحصل عليها المهاجرين سواء بسبب كفاح الرواد المعلمين (تحديدا خريجي مدرسة المعلمين العليا بقورته) او بسبب بناء الدولة لمدرسة ابتدائية بكل قرية جديدة.



العودة

واعني هنا حق العودة الي اراضي الاجداد علي ضفاف البحيرة واعادة بناء المجتمع النوبي المثالي الذي حفرناه فى ذاكرتنا ولقنته لنا قصص الجدات والاباء والاغاني النوبية. بناء منازلنا الطيبنية ذات القباب واستعادة الحياة الفطرية واستعادة ثالوث الثقافة النوبية كما يقولون "النيل النخيل واللغة".

معنويا تكمن المشكلة فى العودة فى ان اجمل ما فى الحلم النوبي كونه حلما. والمخاطرة بتحويله الي واقع ربما تدمر الحلم والواقع معا. هذه مخاطر حقيقية انا اخشي علي ما تبقي من صور ذهنية مثالية للنوبة القديمة, اخشي علي الغناء, وعلي الشعر النوبي عن النوبة القديمة كما اخشي علي الادب النوبي الذي نمي خلال الاربعين عام الماضية. اخشي علي كل ما هو رمزي ومثالي نما فى ذهني ومخيلتي خلال الاعوام الماضية اخشي عليه من صدمة الواقع وزوال مثالية الحلم وتحطمه علي صخرة المصالح والصراعات الطبيعية علي البيت والارض والنيل.

وماديا اخشي علي ال 40 عام التي قضيتها فى دهميت الجديدة واعتبارها كانها لم تكن. لا يمكن لاح دان يلقي بذكرياته واماكنه من اجل اماكن اجداده هذه اشكالية حقيقية. انا انتمي لدهميت الجديدة التي تعلمت بها وعشت بها وتربيت بها. ذكرياتي هنا بملعب القرية بمدرستها بشوارعها وباشجار النبق والجميز بها.

هذه الاشكاليات او المخاوف التي بداخلي لا تلغي الحق ولا تمنعني من الحلم ببناء مجتمع نوبي جديد علي ضفاف البحيرة. هذه الاشكالات لا تلغي نمو روح جديدة تريد ان تستعيد الماضي بروح عصرية وان تبني نموزج لمجتمع زراعي – عضوي جديد علي ضفاف بحيرة يسكن تحتها رفاف الاجداد.

وفي النهاية هذه ليست الا خواطري الشخصية .


اوندى

بقلم مازن علاء الدين 

ذهب ليبصق بعيدا عن مجلسه تحديدا فى الصفيحة التى تحوى مخلفات المنزل بجانب "الديو"1 , عاد ليجلس على "الاناريه"2 باسفل ظل نخلته المحببة التى تعطى واحة من الظل وسط رمال الحوش الصفراء
, فرد العراجى بعد ان ربع قدماه اخرج من جيبه ورق البافرة وعلبة التبغ فضية اللون نحاسية المعدن , نظر بعينه الى معشوفته المفرودة فى ورقة تحت لهيب الشمس , يعشق تلك النبتة حتى انه ضحى بحوض من ارضه المزروعة بالدرة الشامية واختص ذلك الحوض ببذور الكمنجة3 بعد ان احاط الحوض ببضع حبات من اللوبيا حتى تغطى على رائحة الكمنجة النفاذة التى تجذب متعاطيها من على مئات الامتار ,
نادى على "شميشة" لكى تحضر له الورقة وما فيها , فى سرعة ملحوظة كانت الورقة على حجر "اوندى" ,
ولما لا فرمال الحوش الساخنة قادرة على تحويل شميشة المدللة الكسولة الى غزال تكاد خطواته تلمس الارض , اصبحت السيجارة جاهزة فقط عليه تمرير لسانه المبلل عليها ليحكم اغلاقها ,
نظر اليها باشتهاء فعلا "احسن من اى سيجارة مكنة" كما يردد عندما يتباهى بقدرته على لف سجائر تضاهى ما يخرج من المصانع ليباع فى علب جاهزة , سحب اخر انفاسه فى تلذذ وما ان فرغ منها حتى قام ليلقى ما هو ليس صالح للشرب فى صفيحة المخلفات ,
بمجرد ان خطى ناحية "الديو" حتى سمع طرقتان على الباب تلاهما صوت الكالون وهو يسحب من مكانه عن طريق الحبل المربوط به والذى يوجد طرفه من الخارج ناحية الشارع فى تقليد نوبى يعكس عبارة الترحيب الشهيرة (البيت بيتك) بل هو يجسدها حرفيا , دخل "حسن اوش الله" مضمض اوندى لعابه وبلعه مضطر راجيا فى يأس ان تكون رائحة فمه قد زالت وهو ما لم يحدث فشدة اعتنائه بنبتته اعطاها رائحة نفاذة تضاهى مفعولها القوى ,
"كمنجة تانى يا اوندى" قالها متجهما بعربيته المكسرة فضحكت شميشة الصغيرة التى حتى توجعها لاتعبر عنه الا بالنوبية , تستغرب هى تلك اللغة وتضحك على طريقة نطقها تمام كما يفعل ناس مصر مع من يتحدث النوبية ,
لم ينطق "اوندى" فبالرغم من الشيب فى راسه واقترابه من منتصف الثلاثينيات الا ان احترام الاخ الكبير لا يوجد له عمر افتراضى , بعد صمته رفق به "حسن " فوضع يده على كتفه
وقال له " جايلك فى حاجة مهمة" يصر هو على التحدث بالعربية واوندى لا يضيق صدره شىء مثلما ان يتحدث نوبى بالعربى لمجرد انه حاصل على شهادة من شهادات الحكومة ,
حاول ان يجاريه فى الحوار قال له حسن " عايز تجهز حالك عشان خلاص دى هتكون اخر دميرة 4 رد عليه " ايه البحر هيعملوا له محبس هو كمان !!" ضحك حتى سعل مازال منتشى هو , لم يعلق حسن وانتظر حتى هدىء سعاله وباغته " لا احنا اللى سايبين المكان وماشيين , "ماشيين فين يعنى .؟ عقب اوندى
"كوم امبوا وناس خلانك فى اشكيت5 ماشيين حلفا الجديدة " رد منفعلا " كوم امبو "ميناه"6 , حلفا جديدة ميناه, مالها بلادنا ,
السد بتاعك دا بوظلك دماغك ابقوا ورونى هتعيشو ازاى هناك , كوم امبوا "كاتى دافا"7 انت عارف اصلا كوم امبو دى شكلها ايه , ياراجل دى بلد الكلاب بتاكل فيها بعض من الجوع , انتوا هتقدروا تعيشوا هناك ,
ابقى ادبح مراتك المسلعوة دى يدوبك تفطر بيها " ضحك تانى بصوت اعلى ليس لانتشائه تلك المرة بل هو القلق ما يداريه بصخب ضحكاته , " كلنا هنمشى ونروح كوم امبوا , نروح للكهربة والميه فى حنفايات لحد البيت , مدارس جوامع " هى اصلا المدارس دى اللى بوظتك" قاطعه اوندى ,
"حد يكره الخير يا عبيط انت " رد حسن منفعلا , والله يبقى عبيط اللى يمشى ورا كلامكم" قالها بلحظات قبل ان تدخل عليهم دهيبة زوجة اوندى حاملة صينية الغداء المغطاة بالشوير
, علق اوندى فى مرح "شوفت انا اه مكانى والاكل مش الموية اللى بتجيبلى لحد عندى , تقولى كوم امبوا " قهقه ورغم عنه ضحك حسن ورفع بيديه الشوير من على الطعام , بسمل فى سره ونظر لاوندى حتى يقلده وبدا فى الاكل,.

, بعد صلاة العشاء تتحول مصطبة الجامع الى مايعرف بالنادى الاجتماعى , فهناك يتجمع اهل "توماس"8 رجالهم يجلسون على المصطبة ويلعب الاطفال على مقربة منهم , "يا جماعة الجاى خير , وخير كتير كمان , انتوا عاجيبكم حال بلادكم دلوقتى
من ساعة الخزان وارضنا بقت خلاص مش هى , بس انتوا اللى مصممين , طلعتوا الجبل سكنتوا مكان التعابيين والفوديه9 , جت التعلية غرقت نص اراضيكم , فكروا بقه
بالعقل خلاص الارض دى بقت خراب , اما كوم امبوا , فمية من الحنافية زى مصر وكهربة , ومدارس يدخل فيها عيالكم بدل ما هما بيطلعوا يادوبك بيعرفوا العربى عشان يصلوا بيه " انتفخت عروق "حسن" وهو يخطب خطبة عصماء يبدوا انه تمرن عليها طويلا او القيت عليه مرارا حتى حفظها
, قاطعه " احمد اشرفية" متشككا وافرض يا استاذ حسن احنا قولنا لا " ومين يقدر يقول لا يا احمد, مصر كلها دلوقتى بتسمع كلام عبد الناصر اللى خلصنا من الانجليز وشغل الناس الفقراء وبقه ليهم صوت , ثم احنا قد ايه عشان نقول لا ونقول لا ليه فى حاجة خير يا احمد " سعل اوندى وبصق فى مكانه دليل على عدم رضاءه " خير اللهم اجعله خير , اسيب دارى انا ودار ابويا جبلى , عشان مية حنفية , طيب ما المية اه قدامنا بنشرب زى ما احنا عايزين , حتى كلود 10شميشة عملناه هناك , دلوقتى يعنى يا حسن لو مرتك جابت لك عيل هناك , هتعملوا الكلود فى الحوض تحت الحنفية " قالها واطلق ضحكته مجللة تابعها ضحكات كل من جلس متشفيا فى حسن الذى لم يتكلم بعد ان غلب كلام "اوندى" منطقه الذى تعب كثيرا حتى كونه او للحق حتى استوعب ما لقنوه اياه ,
فى زيارته الاخيرة لمقر الاتحاد الاشتراكى فى اسوان , لم يقتنع "حسن " فى البداية بكلامهم ولكن هم لم يتركوا له فرصه للشك , اثناء زيارته اخذوه فى جولة ليتفقد مكان خزان اسوان , وحرصوا ان يمر فى طريقه بموقع الجيش ولوءاه باسوان حتى يرا بعينه مايمكن ان يراه يوما فى نوبته اذا ما اعترض او رفض اهله التهجير ,
تظاهر بتماسكه بالرغم من العرق الذى تقطر منه باردا عند رؤيته للمنظر , التهجير قسرى اذا لا محالة , زاد شكا وصل لدرجة كفر بكل الكلام عن المساواة عن الخير الذى ينتظر ابناء مصر من النوبة لكن لم يجرا ان يجاهر بكفره ,
مرت احداث تلك الزيارة خاطفة فى مخيلته , فاحس بمنطقية تعليقات اهل بلده البسطاء وسخف مبررات اتحاده الاشتراكى , ولكن مازال عاقد العزم على السير فى ركب الحكومة فقاطع سخريتهم قائلا " عالعموم قلت لكم ,
وانتوا بكره تطلعوا وجبلى كمان لو مكانش عشان خير كوم امبوا بس عشان تتقوا شر عمركم ما شوفتوه لو فضلتوا فى ارضكم " , سكتوا وتحادثوا فى احاديث جانبية خافتة , اما اونـدى ففطن لكلامه واجابه فى نوبة نرفزة نوبية " اقسم بالله يوم ما تحكم
ليشوفوا الشر دا قبل ما نحنا نشوفه
" ,


صحى قبل ان ينطلق صوت المؤذن ليدعو الناس لصلاة الفجر , هى غير عادته حتى زوجته فؤجئت باستياقظه " هى اوندى كودا فينا؟ (هل انت بخير يا اوندى , رد عليها "اي شديده الحمد لله" , ثم ذهب ليتوضا فى ركن بعيد بالحوش المتدثر بنجوم السماء , تناول افطاره وارتشف شاى الصباح بمزاج , ايقظ شميشة فى حنان بالغ مألوف منه , غسل لها وجهها , البسها بنفسه ثم اخبرها ان تاتى معه ,
لم يكن محتاج لمعاونتها فلقد حمل هو كل شىء , فأسه قفته و عروق اخشاب تستعمل احيانا كسقالات عند البنائيين النوبيين , هو فقط ارادها ان تراه وهو يعمر فى ارضه , اراد ان تشب وهى تحمل نفس الانتماء الذى يوجد داخله ,
"هوشش" قالها لحماره فتوقف ارتجل منه حمل صغيرته التى مازالت على ظهر الركوبة
تركها بسلاله ورقة على الارض , ربط الركوبة فى اخشاب شجرة "ابض"11 هرمة , مستخدما حجرا جيرى رسم على الارض حدود منزله القادم واسع كعادات ديار النوبيين اتى الى حيث بدء, انهمك فى تسوية الارض مستخدما فاسه وقفته , يتصبب العرق من جبينه دون حساب مسحه بظهر يده ونظر الى شميشة التى اختار لها مكان ظليل لكى تجلس فيه , اخذه التعب ارتاح بجانب صغيرته حادثها بالنوبية " هنا ستتزوجين فى دارك , ضحكت الفتاة فرحة بكلامه فكثيرا ما تلعب دور العروسة مع اقرانها وسط ضحكات ذويهم ,
اعتقدت ان الاب يكلمها عن تلك العروسة التى تتقمص دورها يوميا, شرب واستلقى تحت الظل قليلا , عاد لمكان منزله الاتى وقف تخيل شكل البوابة , فكر غدا سيذهب الى شط البحر سيحضر طمى لكى يقوم بقطعه الى طوب حتى يتمكن من اقامته على احسن وجه سيكون اجمل بيوت توماس يمنى نفسه ويتحداها
سيعده كمزل لعروس , حتى الاطباق الصينى التى تزين بوابات بيوت النوبة سيذهب الجمعة القادم مع "زين نفيسة" بمركبه الى عنيبة12 لكى ييشتريها من هناك ,
تصور هو كل التفاصيل ومصر عليها ,يفرح كلما اضاف خياله تفصيل جديد , رضى بما رسمه خياله حمل رفقيته واحل الركوبة من مربطها , اركب اميرته الصغيرة ثم ركب
هو نزل منحدرا الى بيوت القرية مع انكسار شمس الظهيرة
.


استاذن من الريس زين , ان يمهله دقائق حتى يقوم باحضار بقية اغراضه من المنزل , زمجر لطلبه زين" حاول مخاطبة وده واعلمه ان سيوافيه بعد دقائق عند المرسى , لم يكذب تلك المرة هى فقط 10 دقائق ذهب الى المنزل لاحضار معشوقته الخضراء وباقى العدة
فلقد تركهم فى المنزل مثلما يفعل عند كل صلاة , بعد ان ساروا فى النهر لفترة وعلى مدى نرهم لمحوا "البوستة" الباخرة التى اعتادت ان تحمل لهم الاحباب وتخطفهم ايضا , وبجوارها مركب بخارى ايضا هيكله يظهر وكانه بنى بطريقة خاظئة فالهيكل الحديدى هو جل مايظهر منه , لمحوا "ابريم"13 على غير عادتها خامدة ساكنة
سكون لم تعهده , اهلها المحبين للحياة جرودا منها ,
يمشون ثقالى الاقدام ينتظرهم ذلك المركب الغريب ليحويهم داخل هيكله المخيف هم وحيواناتهم , " حكومة وسخ ايرا
, الهى فاروق يرجع تانى بدل ما ولاد الكلب دول يتحكموا فينا , والله كان ملك مش ولاد الرقصات دول يحكمونا " طلع السباب من فم "زين " حارا كانفاسه الحزينة على بدء عملية التهجير , لم يعلق "اوندى" على كلامه فدخان سيجارته جعله يتامل اكثر فى شكل بيته القادم ’ ابتسم بانتشاءه سرح بخياله , راى نفسه جد لاولاد شميشة
ابتسم عدل من مجلسه ,
فرد "الكاسير"14 على وجهه وراح فى قيلولة سريعة .
انزل المرساة مع "زين" استاذنه فى الذهاب بعد ان ودعه , فزين سوف يكمل الرحلة حتى الشلال وسيعود هو عن طريق البر , ذهب لابناء عمومته , تناول غداءه عندهم , استاذنهم فى الذهاب للتسوق , نبهوه الا يتاخر على العشاء وعدهم واوفى عاد مع اطباقه الصينية وضعها جانبا وتعشى , يفرح كلما زار عنيبة ففيها يرى النوبيين من كل البلاد , يتقابل مرة مع صديق له من قرشة ,
واحيانا يتقابل مع رجل قد تشاجر مع من قبل فى اثناء زياراته لادندان , هى تقريبا عاصمة النوبيين نعم , يمكن اختزالها فى ذلك المسمى , اطفى سيجارته ودفن باقيتها تحت رملة الشارع , ثم دخل لينام فغدا سيعود لتوماس .



بمجرد ان ابتعد عن نظر اقاربه حتى بدا فى ضرب الركوبة , مستعجل هو على العودة لتوماس الشوق ليس للبلد بل هو الشوق لبدء ما خطط له و عند اخر نجع فى عنيبة بدء عواء الكلاب اعلى مر بابريم تعجب بيوتها تبدو حزينة صعق , اكان اهل ابريم من الجبارين الكفرة "فاخذتهم الصيحة مصبحين", ليست تلك ابريم التى يعرفها لم يبقى فيها حىء الا الكلاب التى توحشت فبعد ان كانت صديقة الانسان بدات الان تهاجمه من جوعها رفع رجله من الركوبة دق قلبه خوفا ,
حتى كلاب النوبة يوما لم تكن بتلك الوحشية , حماره الان لم يعد يحتاج لضرب فلقد اخذ يعدو كمن اصابه مس
احيانا يتوقف فجاءة لركل كلب طال فكه ذيله , ثم يواصل العدو ,
وصل على مشارف توماس لم تقف الكلاب الى بعد ان تدخل اول من قابلهم ثلاثة بالعصى وذهب رابع لاحضار باقى العشا حتى ياكلوا ,
بمجرد ان اشتموا الطعام هدء النباح , ثم اكلوا وكانهم لم ياكلوا من قبل , سبحان الله بسبب الانسان كادت ان تفترس الكلاب اوندى وركوبته وبسبب الانسان ايضا عادت لعادتها فى الوفاء , استراح شرب , رفض ان يحضروا له العشاء هو على استعجال وعلى شوق لشميشة ,
تفحص اطباقه فقط 3 منها كسرت حمد الله انه قد اخذ حذره فاحضر 5 اطباق زيادة ودعهم بالنوبية احضروا له الركوبة التى مازالت تلوك عود البرسيم الطرى , مشى جانبها قليلا ثم امطاها فى الطريق الى البيت.


.
استقيظ على ترحيب امراته بضيوفها , لم ينتبه لاصوات النساء لم يستطع تميزهم , ولكنه سمع صوت خاله " محمد عواض" نهض مسرعا , راءه عانقه بشدة ضاع فيها كسل النوم وتبعاته , استذنه ليغتسل , عاد سريعا مع دخول اكواب الشاى "للمضيفة"15
شربوا تحاكوا فى كل شئ , ضحكوا كثير , قاطع حديثهم دخول "حسن" الى المضيفة , ارتمى الاخر فى حضن خاله طال العناق علق "اوندى" وحدوا الله يا رجاله مش كدا , ضحكوا وتباعدت اذرعتهم , لم يمر وقت طويل حتى اتى الغداء , فتح الخال الشوير , فى عادو نوبية تقتضى ان يفتتح الضيف المأدبة , اثناء الاكل سأل الخال حسن , "صرفتوا للناس التعويضات " انتبه "اوندى" وبلع حسن ريقه "لسه يا حج , فى وفد من الاتحاد الاشتراكى هيجى يمضى الناس ويسلمها فلوسها ,
" صحيح البيت تمننتوه ب 5 جنيه " رد فى انفعال مصطنع " خبر ايه يا حاج ايه تمنتوه , وان مش نوبى ولا ايه يا حج , الحكومة مضطرة عشان ظروفها الاقتصادية نستحمل شوية , " مضطرة ميناه , دا احنا فى خشم القربة16 تمنوا لينا النخلة ب15 جنيه مش البيت ,قالكم عبد الله خليل17 ,
تعالوا مع اخوالكم واهاليكم خشم القربة" قاطعه " ياخال احنا مصريين ومانطلعش من بلدنا ونروح نلجى فى بلد تانى" تحسر الخال" بلد تانى , بقينا اتنين خلاص يا حسن اشكيت وحلفا اقربلك ولا كوم امبوا بتاعك دى " صمت مفحما , استأذن الخال من اوندى فى الانصراف , اقسم باغلظ الايمان ان يكمل نايبه من الطير ,
عاد الخال منصاعا لطلب اوندى استكمل غداه فى بطىء , استاذن حسن فى القيام وخرج مسرعا دون حتى ان يدع اوندى يقسم مجددا.



اوصل خاله حتى المرسى فى الطريق رجاءه اكثر من مرة ان يبقى عدة ايام , اعتذر خاله برقه تنتظره الان مشغوليات كثيرة تتعلق بالتهجير الوبال الذى كتب عليهم , عند البحر حضنه بكل قوة , سالت دموعهم فالوداع هذه المرة ليس عاديا بل هو وداع وتابين , تابين لتلك الارض التى يعلم انه لن تأطها قدمه بعد ذلك , "ابقى زرنا فى خشم القربة يا اوندى , خلانك كلهم مشتقيين لك " "باذن الله يا خال, السلام امانة لكل ناس اشكيت " , كفف دمعه واحل مركبه من مربطها وهو يردد "يوصل باذن الله يوصل " عديلة يا خال عديلة " زعق بها وهو يرى مركب خاله متوجها جنوبا يشق البحر سابحا ضد تيار النيل الذى لم يمنع فيضانه من قبل تواصل الصلة بين نوبة الجنوب ونوبة شمال الوادى ,
لم يعرفوا حتى تلك التقسيمات وتلك الحدود الا قريبا , اختفى قارب الخال عن النظر , اخذ اوندى فى الصعود الى منزله وهو يدندن اغنية نوبية عذبة اللحن ,.


زاره حسن بعد العشاء على غير العادة , "هو دهيبة كوتا شاى جاويه" طلب من امراته
ان تعد لهم الشاى " لا لا والله فيسكموا "نطقها حسن راجيا ان يعفيه من الشاى بسبب عد م وجود مكان له فى جوفه بعد العشاء , "انا بس عايزك تسمعنى كويس فى اللى راح اقوله لك , عايزك تحضر نفسك كدا انت والجماعة عشان خلاص كلها شهر بالكتير ونسيب البلد ونروح كوم امبو" ,
ابتسم ابتسامة ثقة وتابع" ماشين لوين يا حسن كوم امبو تانى , ماشى يا حسن ربنا يسهل " استغرب من تفهمه هذه المرة
ولكن لم يشاء ان يساله على سر تغيير تفكيره , فهو لايضمن ان لا يعود لسابق عهده فى لحظة , استاذنه بالذهاب اوصله حتى الباب ودعه ثم عاد لداخل منزله واستغرق فى التفكير , البيت مايزال بحاجة الى مزيد من العمل , غدا سياخذ نعجة وجدى ليراعاهم عند بيته الجديد لكى يعتادوا ايضا على المعيشة هناك , "تتسهل باذن الله" زفرها فى تفائل , خلد لنومه مرتاح يشعر بانه انجز شيئا ما فى حياته ,.


تلعب فرحة مع اقرانها , ناداها لم تسمع كرر نداها , اجابته بانها تلعب , طلب منها المجىء لم تذعن , قام بعصبية ضرب مؤخرتها ادخلها المنزل , زعق فى وجها مستاء هو من انها لم تعيره اهتمام عندما نداها , مستاء اشد استياءه انه مد يده ليضربها
تبكى امامه بصوت مبحوح يجرح حنجرتها ولكن ليس بقدر مايجرح قلب اوندى , لم يستطيع تادية دور الاب القاسى اكثر من هذا , احتضنها بقوة , خف نحيبها يقبلها بشغف راجيا ان تسامحه , حنونة هى عليه مثلما هو عليها قبلته فرح وانزل دموعه على كتفها , المنظر غير واضح المعالم لاتعلم من يصالح الثانى من يواسى الاخر
من هو الوالد ومن فلذة الكبد ,
امضى اغلب اليوم برفقتها هى اقرب اصدقاءه تفهمه برغم صغر سنها , 3 سنوات هى اجمل سنين عمره قضاها مع رفيقته , انتظم فى صلاته بعد ان رزقه الله بها , توسعت ارضه وزاد حصاده منذ مجيئها , كل جيد فى حياته مرتبط بقدومها لتلك الحياة , رجته دهيبة الا ياخذها معه فى هذا الوقت ,
فالدنيا بالخارج مشمسة اكثر من ما تحتمله تلك الصغيرة , تردد يريد ان ياخذها معه لاعلى الجبل لبيتها القادم ولكن لايريد ايضا ان يفكر فى اضعف احتمال ان ترهقها تلك الزيارة فتركها مرغما فى البيت , ارادت ان تصاحبه اسكتها بانه سيذهب لاحضار حلويات لها وسيعود , هدئت قليلا ثم ودعته , وقف يتامل البناء اعجب بمهارته فى العمارة , البيت قارب على الانتهاء ,
اهل القرية لايعلموا شيئا عن ذلك البيت فلقد اختار له مكان باعلى جبال توماس ناحية الداخل حتى لايراه اهل القرية , سيقيم فرح شميشة بالقرب من منزلها , مجرد التفكير فيها يجدد له الامل , الامل بان هذه البلاد لن تغرق وانها ستشهد زفاف جميلته على صاحب النصيب الذى سيختاره لها كافضل من يكون ,
حصن نفسه هو من الطوفان او هكذا ظن , لايفكر كثيرا مثل حال اهل البلد , حتى امراته لم تحزم اغراضهم ولم تخيط على الشنط قماش البفتة مثلما فعلت كل نسوة القرية , مازالت ملابسهم قابعة فى ذلك الصندوق الخشبى التليد المزين بنقوش غريبة اقرب الى طلاسم لمن يمتلكها الان ,
ولكنها كانت تصاوير ولغة حياة لمن اورثوهم تلك الصناديق التى توجد فى كل بيت نوبى ويتوارثها الاجيال منذ مئات السنين لدرجة انهم نسوا متى بدات تلك العادة ومتى تم صناعة تلك الصناديق ,


الحزن حكم القرية تلك الليلة ليس هناك ابتسامات , احاديث النسوة وونسواتهم تحولت لعويل صامت , الاطفال حتى ادركوا ان هناك خطب فى نفوس اهلهم , فلم يخرجوا كالعدة ليلعبوا "الحندكيه" بجوار جامع القرية , اوندى لوحده مرتاح البال , ذهب ليخبر حسن بخبر سيربك كل حساباته الحكومية ,
سيخبره اليوم بامر منزله الرابض على اعلى جبال توماس , راه فى الشارع اوقفه , اخبره بامره فرحا , اقتضب صعق لكلامه صمت فكر دقيقة , "والطوفان لما يجيلك" رد بثقة انا اخترت اعلى جبال توماس والغرب كله حتى طوفان البحر ما راح يطوله " لاعاصم اليوم من امر الله " حاول ابتزازه دينيا , وامر الله اننا نسيب بيوتنا الله اتخلقنا فيها , نسيب نخيلنا , والله ابدا ماربنا حكم بظلم ولا يرضى بيه" استشعر تصميمه على البقاء , فى اعماقه يتمنى ان ينجح
ولكن فى ظاهره يثنيه , "طيب عالاقل سيب دهيبة وشميشة يجوا معانا , فكر قليلا
غلبه المنطق هذه المرة , مغامرته غير محسوبة , يتحمل هو عواقبها على نفسه
لكن ليس على دهيبة او على شميشة الصغيرة , صمت ثم نطق "ماشى , بس مايغيبوا عن عينك لحد ما ارجع واخدهم معايا " لم ينطق فقط اومى براسه موافقا على كلامه ,,


قبل تلك الجميلة فى كفها الرقيق , احتضن دهيبة همس فى اذنها ضحكت وسال دمعها , حضن امراة اخيه وكذلك فعل مع حسن , ود ان يسلم على كل فرد فى قريته , ولكنه فضل الا يفعل فمندوب الحكومة عند المرسى وسسيجبره رجاله على الصعود لتلك المراكب القذرة التى اعدوها لتهجيرهم , حميرهم وجواميسهم جنبا لجنب معهم , وضع لم يعتادوه قذارة مسبقة حملها المركب اضيفت اليها فضلات حيواناتهم , اخذ يعرج ونظر الى النيل من بعيد يسمع نساء القرية يولولون فى ماتم ليس لبشر بل لارض اعز واغلى من اى بشر سكن فيها ,
رق دمعه شاركهم النحيب , يرى النساء يلطخن شعورهم ووجوهم بالنيلة الزرقاء , فى طقس وثنى عند النوبيين فى حالات الوفاة لم يمنع الاسلام من استمراره ,كما لم يمنع ايضا استمرار النوبيين فى تعميد اطفالهم عن النهر كعادة باقية منذ ايام ممالك علوة وفرص المسيحية , استمر فى الصعود لم يحتمل منظر وداع ناس القرية , اختبى فى احضان بيته الجديد بكى كما لم يفعل من قبل , انتفض جسده عن سماعه صافرة المركب البخارى ذهب ليلقى نظرة الوداع على اهل توماس دعى فى سره ان يراهم مرة اخرى عائدين ,
بكى وهو يدعى ,,


بكى وهو ياكل ,بكى حتى عند نومه
اصبح وحيد اصبحت القرية موحشة تونسه اغنامه , اصبح يومه يبدا باكرا يحلب عنزته , يشرب بلبنها كوب الشاى , ثم ينزل لارضه يفلحها ويقطف ما نضج من زرع , ليعود به الى منزله , طعامه اقتصر على غلال اللوبيا , اشتاقت نفسه للحم الضأن نظر لعنزته ساورته شهيته , ثلم رفق بحالها لم يشىء ان يجعل رفيقها وحيدا , فلقد جرب هو الم الوحدة ويتمنى من قلبه الا يحكم الله على احد بهذا العذاب , مضى اسبوعين وبضعة ايام , صار اشبه بالبشارية18" شعره كثيف مجعد اليوم بقى مكان منزله , فلقد احس ليلا اثناء استحمامه فى النهر بعلو الماء ,
وهو ما تحقق منه عند اشراقة الصبح فلقد اتى الماء على ما انخفض من اراضى حتى غطاها , لازالت ارضه بعيدة ولكن الى متى , عبث فى اغراضه اخرج صورة لشميشة التقطتها احد السيدات الالمان الذين اعتادوا على زيارة النوبة وتسجيل تراث ولغة اهلها منذ عام مضى , كانت فى الثانية , تغيرت كثيرا منذ ذلك الوقت ولكنه لا يملك لها الا تلك الصورة قبل الصور برفق ومسح من عليها ماجادت به عينه , ثم اعادها الى وسط اغراضه ,.


تصرخ هى كثيرا فالجو خانق فى تلك العلب الاسمنتيه , ليس هناك فسحة لطفل يجرى , الناس ضاقت بتلك المساكن , برائحة الحيوانات التى ارغموا ان يشاركوهم فى منازلهم فى عادة غريبة على ناس النوبة , فمنذ ان استانسوا الحيوان وهم يبقوهم بعيدا عن مكان معيشتهم , حاولت دهيبة تهدئتها احيانا بالغناء لها وكثيرا بوعدها انه سيأتى , فقط سيتغيب بضع ليال ثم سياتى لها محملا بالالعاب التى تباع فى مصر
هدئت قليلا , استغلت الام ذلك حضنتها ثم اخذت تقرا القران فى اذنها حتى نامت الصغيرة تحسست الام جبهتها , حرارتها مرتفعة , فزعت الام كما لو كانت رات ابليس , دار فى فكرها المرض الذى ابتلوا به فى تلك الارض الجدباء , فمنذ قدومهم حتى اليوم تتوالى يوميا الجنازات من كل ديار النوبة , اغلبهم من الاطفال وكبار السن , لم تترك خيالها يغلبها جرت بشميشة الى حسن اخذها الى الوحدة التى لم يكتمل بناءها سأل عن الطبيب المقيم اسما لا فعلا لم يجدوه ,
حاول "حسن " ان يهدء من روعها , روحى البيت اغلى لها شوية حلف بر وحرجل , وانا هروح اجيب الدكتور والحقك على البيت علطول" , بكت وانصاعت مضطرة , زارتها النساء فى البيت , الوجوم على وجوهم ,
ليست زيارة مريض تلك بل هى بداية لحداد قادم , البعض لم يتمالك نفسه فاجهش البكاء , شميشة لم تعد نضرة كعادتها اصفرت حتى اصبحت فى لون تلك المياه ذات الرائحة الغريبة التى يشربوها من حنفية الحكومة , تقيأت مرة اخرى غسلت لها امها مكان ما افرغت عادت لها بجلباب جديد لتلبسه بدل المتسخ ,
لم تقم بتغيير ملابسها فلقد سمعت صوت احد النسوة وهو تنحب فى انفعال " ايبيوه دهيبة ابيوه , ايبويه اوندى ابيوه , شميشة ووه كدودا ايبويه " لم تحتمل الصدمة خرت فى الارض وتجمع حولها من كانوا اصلا موجودين فى البيت ومن اتوا على صوت الصراخ الذى انطلق من البيت , .


اضطرب هو لايدرى ماذا يفعل البحر على بعد امتار من مكانه , فك رباط عنزته وجديه
لم يتحركوا هش عليهم مرارا حتى انطلق الجدى تبعته عنزته الى ناحية الجنوب , اخذ يعبث فى اغراضه بعصبية , ارتاح عندما التقط اصابع صورة صغيرته , حضنها قبلها , نظر للماء الذى ارتفع اكثر واكثر , لم يعصمه الجبل , هو غير عاصى فلماذا يعاقب بالطوفان ,
لم يحتمل ان يرى بلده تغرق فضل ان يرحل قبل ان يرى ذلك, قفز من مكانه الى الماء , بقى على صفحة الماء لبرهة يحمل صورة صغيرته , حزين هو لفراقها فلن يراها تكبر ولن يراها عروسة كما تمنى دائما لها ,
اوجع قلبه التفكير فالفراق صعب , قبلها متمنيا لها كل خير فى الدنيا, مسكين هو لايعلم انه سيجدها فى انتظاره , لم
يتخيل انها ستكون شفيعته رغم انه اعتاد ان الخير دائما ما ياتيه من جهتها .
---------------------

1- مكان الخبز فى البيت النوبى
2- سرير يصنع من اخشاب النخل
3- نبات البانجو
4- فيضان
5- قرية نوبية فى جنوبة النوبة
6- ماذا
7- بئسا لها
8- قرية نوبية بشمال النوبة
9-الخنافس
10- سبوع
11- حنضل
12- قرية نوبية كانت مركز فى النوبة القديمة
13- قرية نوبية
14- العمامة
15- مكان استقبال الضيوف من الرجال فى البيت النوبى
16- المكان الذى هجر اليه نوبيى السودان
17- رئيس وزراء سودانى
18 -فرع من قبائل البجة يمتازون باطلاقهم لشعورهم الكثة المجعدة