23 أبريل 2012

حق العودة ليس فلسطينيا فقط

د.م/ محمد منير مجاهد



كتب المهندس/ محمد سيف الدولة مقالا بتاريخ 28 مايو 2011 بعنوان "حقالعودة فلسطيني وليس نوبي" نشره في عدة مواقع على الإنترنت، يعيب فيه على النشطاء النوبيين مطالبتهم بحق العودة لأراضيهم التي هجروا منها عند بناء السد العالي، والحقيقة أن النوبيين لم يطالبوا بهذا لأن أراضيهم قد غرقت تحت مياه بحيرة ناصر، وهم يطالبون بحقهم في العودة للعيش حول ضفاف البحيرة في أماكن تناظر قراهم الأصلية التي هُجٍروا منها عند بناء السد العالي، ويرى محمد سيف الدولة أن " استخدام ((مصطلح حق العودة)) هو استخدام باطل وخطير وقد يكون مغرضا  وسيء النية، لأن حق العودة هو مصطلح يرتبط بقضية فلسطين وعلى وجه التحديد بقرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم المغتصب من العدو الصهيوني عام 1948، والنوبة ليست فلسطين".

والحقيقة أن مصطلح حق العودة يشير إلى مبدأ في القانون الدولي، مدون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو يعطي أي شخص حق العودة والدخول لبلده الأصلي، سواء كان خروجه لأسباب اضطرارية أو باختياره الحر، وقد أجبر الشعب الفلسطيني على مغادرة أراضيه نتيجة لحملة تطهير عرقي ممنهجة ومنظمة مارستها الحركة الصهيونية ضده للاستيلاء على أراضيه، وبالطبع لم يحدث هذا مع النوبيين، وإن كان قد حدث مع شعوب أخرى لإيجاد دول متجانسة عرقياً، كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا، ومن حق الشعوب والأعراق التي أجبرت على هجرة أراضيها العودة إلى بلادهم ومواطنهم الأصلية، حق العودة إذن ليس حكرا على الشعب الفلسطيني، وفي معرض إنكار حق النوبيين في العودة لموطنهم ضرب الكاتب مثلا بتهجير سكان مدن القناة بعد حرب 1967، ولكنه تناسى أنه لم ينكر عليهم أحد حقهم في العودة إلى منازلهم ومدنهم بمجرد انتهاء حرب 1973 وقد عادوا بالفعل.

أخطر ما في مقال المهندس محمد سيف الدولة ليس إنكاره "حق العودة" بالنسبة للنوبيين في الوقت الذي تسمح فيه الدولة لفلاحين من الدلتا والصعيد بإقامة مشاريع زراعية والتوطن على ضفاف بحيرة ناصر، ولكن إنكاره أنهم يمثلون قومية مستقلة أو أن لهم "خصوصية زائدة تختلف عن الخصوصيات الطبيعية بين سكان المحافظات المختلفة فى وجه بحري أو وجه قبلي"، فالحقيقة أن مصر دولة شعبها متعدد الأعراق والقوميات في تجانس مدهش وخلاق، فمصر ليست العرب وفقط (وأقصد بالعرب السكان الذين يتحدثون العربية كلغة أم)- ولكنها تضم إلى جانبهم قوميات أصيلة أخرى كالنوبيين والبشارية في جنوب مصر، والأمازيغ في سيوة، أو وافدة كالأرمن واليونانيين، وما يميز كل هذه القوميات هو أن لكل منهم لغته الأم، ومن ثم خصوصية ثقافية لأن اللغة هي وعاء الثقافة.

وخطورة هذا النوع من القومية العنصرية التي تنكر أي حقوق ثقافية للقوميات المختلفة في عالمنا العربي هو أنها تؤدي عمليا لتقسيم بلادنا، فالمسئول الأول عن تقسيم العراق هو نظام البعث العنصري الذي مارس تطهيرا عرقيا ضد الأكراد وأنكر حقوقهم الثقافية، والمسئول الأول عن تقسيم السودان هو نظام البشير العنصري الذي حاول أن يفرض قيم ثقافية تتنافى مع قيم السكان في الجنوب، وهو من ارتكب جرائم رهيبة ضد الشعب في دارفور، وحاليا في أبيي.

قد يكون صحيحا وجود "مشروعات صهيونية معادية ونشيطة تنادى بتقسيم مصر والوطن العربي إلى عدة دويلات منفصلة على أسس طائفية أو إقليمية"، ولكن هذه المشروعات لا يمكن أن تنجح إلا بسياسات داخلية تميز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو الانتماء الجغرافي ... الخ.

إن النوبيين لا يواجهون – كما حدث للسود في أمريكا – حاجز تشريعات التفرقة أو المؤسسات العنصرية التي كانت من نصيب السود الأمريكان، وقد تمكن النوبيون من  الحصول على مكان لأنفسهم في نسيج المجتمع المصري، ولعل أبرز مثال على هذا هو المواطن النوبي المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومع ذلك فإن هناك مطالب خاصة لأبناء النوبة – تستحق دعمنا غير المشروط - نحددها فيما يأتي:
1-       الإقرار بحق النوبيين في عودتهم إلى موطنهم الأصلي، وبحقهم في أولوية تملك الأراضي المستصلحة حول بحيرة ناصر والتي تقام بها حاليا قرى جديدة، وكذلك في مناطق الظهير الصحراوي في أسوان.
2-       إعادة ترميم المساكن التي تم التهجير إليها ثم انهار بعضها بعد شغلها.
3-       إعادة تقييم التعويضات الهزيلة التي أعطيت للنوبيين مقابل الأراضي والبيوت والنخيل.
4-       تدريس اللغة النوبية في مدارس قرى النوبة باعتبارها لغة ثانية.
5-       تدريس تاريخ النوبة في المؤسسات التعليمية بمصر، والاهتمام بالثقافة والآثار والتراث والأدب الشعبي النوبي، والتعريف بالحضارة النوبية.

إن الحفاظ على وحدة مصر تتطلب الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي والعرقي والقومي فيها، وأن يشعر كل مواطن بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو الثقافية أو العرقية أو القومية، أن حقوقه موضع تقدير واحترام ومساندة من بقية الشعب، وعلينا ألا نكرر أخطاء شاهدنا بأعيننا نتائجها المدمرة على وحدة الأوطان حولنا فكما يقول اﻟﺼﻴﻨﻴﻮن "اﻟﺠﻨﻮن هو أن تفعل ﺷﻴﺌﺎ وﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ نتيجةً، ثم تفعل نفس اﻟﺸﻲء وﺗﺘﻮﻗﻊ نتيجةً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ".




هناك تعليقان (2):