20 أكتوبر 2010

نحو رؤية عميقة لأتحاد شبابى نوبى ينتظره مجتمعه

بقلم مصطفى الشوربجى


أتحـــــــــــــــــــــــــــــاد شباب النوبـــــــــــــــــــــــــــــة ....
هو منظمة شبابية مصرية مهتمة بالشأن العام المصرى والشأن النوبى على وجه الخصوص
- الشـــــــــــــــــــــأن العام
تهتم بإرساء وتدعيم قيم الديموقراطية والمواطنة والحرية وتهدف إلى المساعدة فى خلق مناخ شعبي متقبل لفكرة التغيير فى المجتمع المصرى سياسيآ وإقتصاديآ وإجتماعيآ .
- الشـــــــــــــــــــــــأن النوبى
تمثل النوبة المصرية مكوّن تاريخي و ثقافى و إجتماعي ذو خصوصية شديدة و حساسية أشد , والنوبة المصرية هى بوابة مصر الجنوبية المطلة على أفريقيا وهى بوجودها و سماتها وسكانها تمثل عنوانآ رئيسيآ لمصر الأفريقية و تعتبر حلقة وصل شديدة الأهمية بين مصر وظهيرها الأفريقى .
ولإيماننا العميق بأن صحة جسد النوبة هو صحة لجسد مصر و أن قوة وتماسك النوبة إنما هو دليل على قوة وتماسك مصر و أن صلابة وثبات أطراف أى دولة لهو أشارة شديدة وبالغة الوضوح على صلابة وثبات الدولة فى المركز .
من هذا و قبل أن يأتى إنتماؤنا النوبى جاء إهتمامنا بالشأن النوبى
و يتمثل هذا الأهتمام فى

1 - الأهتمام بالمكوّن الثقافى والتراثي النوبى و الأهتمام بكيفية الحفاظ على جزء عزيز و غال من الهوية المصرية بأعتبار أن الثقافة والتراث دليل على أصالة وتفرد وتميز أى مجتمع معاصر

2 - وضع رؤية عصرية و مناسبة لقضية من أشد القضايا المصرية تعقيدآ و حساسية - حتى لو يعترف النظام بهذا - الا وهى قضية العودة النوبية لضفاف بحيرة ناصر وحتى خط 22 عرضآ , وبذل كل الجهد فى دراسة وبحث هذه القضية ومدى توافق النوبيين حولها و الأيجابيات و السلبيات الناتجة عن هذه العودة العكسية و تأثيرها على المجتمع المصرى و النوبى بالتساوى

3 - تجميع الجهود وتوجيه الأنظار لرافد من أهم روافد الهوية المصرية الأصلية الا وهو اللغة النوبية من حيث دفع الدولة للإيمان بأهمية دعم و الحفاظ على هذه اللغة حيث أنها احد أهم مخلفات التراث الأنسانى فى العالم ومصر خصوصآ وما يتبع ذلك من إبراز للتاريخ النوبى والحقبة النوبية وبيان مدى أرتباطها وتشابكها مع التاريخ المصرى وترسيخ هذه المبادىء من خلال تضمينها فى مناهج التعليم المختلفة العمومية منها والمتخصصة

4 - تأهيل الشباب النوبى ومحاولة تثقيفه بهذه المبادىء و الأساسيات ليكون كل شاب نوبى هو واجهة لأتحاد شباب النوبة وليكون أداة لنشر الوعى النوبى بين أطياف الشعب المصرى لتصل رسالة الأتحاد لكل مصرى ويصبح الشأن النوبى بمرور الوقت شأنآ مصريآ بإمتياز ويأتى الوقت الذى يتحدث فيه أى مصرى بكل فخر عن أنتماء النوبة له وانتماؤه للنوبة وتصبح قضية النوبة قضيته و تميز و خصوصية النوبة هو فى الأساس تميز وخصوصية له كمصرى

12 أكتوبر 2010

محاولة لفهم جوهر القضيه النوبيه


بقلم رامى النوبى
لا يخفى على احد ان القضيه النوبيه أصبحت أحد قضايا الساعه على الساحه الأعلاميه الأن وأحدى الأوراق التى يتلاعب بها النظام الحاكم من خلال ما يقوم المسؤلين الحكوميين من اثارته بين الفنيه والأخر مستغلين ما يقوم به بعض النوبيين من تصرفات وما يصدرونه من تصريحات فى أظهار النوبيين على أنهم فى معزل عن محيطهم الوطنى المصرى وذلك للتدليل على أن التحركات النوبيه ومطالب النوبيين هى مطالب انفصاليه وهدفهم من ذلك عزل النوبيين عن محيطهم الوطنى وإيجاد تبرير لما يقوم به هذا النظام من رفض للمطالب النوبيه العادله . ولا انكر صدور بعض التصرفات من بعض النوبيين سواء بقصد او بدون قصد تساعد هذا النظام فى مسعاه وتحيط المطالب النوبيه بشبهات وأتهامات هى ابعد ما تكون عنها .
ولكن قبل التعرض لتلك النصرفات والأفعال يجب علينا تعريف المطالب النوبيه فالنوبيين الذين ضحوا بأراضيهم على مدى المائة عام الماضيه منذ بناء الخزان بتعلياته المتتاليه الى بناء السد العالى يمكن تلخيص مطالبنا كنوبيين فى النقاط التاليه :
* الأقراربأحقيه ان تكون للنوبيين الأولويه فى أعمار منطقه ما حول بحيرة السد ( وهو المطلب المعروف اعلاميا بحق العوده ) وهو مطلب عادل مبنى على اساس المساوه بين ابناء الوطن الواحد فكما يسرت الدوله بعد انتصار 73 لأهل منطقه القناه الذى اضطروا الى هجر اقليم القناه بعد هزيمه 67 العوده الى اقليمهم الذى هجروا منه فالنوبيين يطالبون بالمعامله بالمثل وتيسير العوده الى مناطق النوبه القديمه (لمن يريد من النوبيين ) والأقرار بأولويتهم فى تعمير تلك المنطقه فى أطار خطه قوميه لأعادة اعمار المنطقه .
والجدير بالذكر ان تلك العوده لن تكون لجميع النوبيين وذلك لصعوبة ذلك على المستوييين القومى والفردى بمعنى أنه على المستوى القومى المصرى فأن جعل العوده اجباريا لكل النوبيين تعنى خلق جيتو منفصل للنوبيين فى معزل عن باقية ابناء الوطن وبالطبع هذا أمر من الصعب على اى حاكم أو نظام وطنى الموافقه عليه   . وعلى المستوى الفردى فأنه لا يمكن أغفال ان مرور كل تلك السنوات التهجير(1964) قد ادت الى وجود أرتباط ما بين النوبيين الذين ولدوا وعاشوا بمناطق التهجير وتلك المناطق المناطق الجديده التى وطنوا بها وأستقروا بها والكلام عن العوده الأجباريه يعتبر نوع من التعدى على الحريه الشخصيه وحرية الأختيار لمن وطن نفسه على العيش بمكانه الذى ولد وتربى به بعيداً عن مناطق الأجداد.
ولذلك فمطلب العوده يرتبط فى اساسه بمن لديه الرغبه من النوبيين فى العوده والأستقرار بالمناطق القديمه .
وكما أعتقد فأن هذا المطلب من السهل تنفيذه فى اطار خطه قوميه لتعمير مناطق ما حول البحيره والأستفاده بما تمتاز به تلك المنطقه من اراضى خصبه فى خلق دلتا مصريه جديده تعوض عما أهدر من اراضى فى الدلتا القديمه وتنقذ البلاد من أهوال العجز الزارعى التى نعيشها وليس خفيا على احد أن العمل على وضع مثل تلك الخطه الطموحه أنفع لمصر من اعطاء أراضى تلك المنطقه للوليد بن طلال ومن هم على شاكلته من مدعى الأستثمار وناهبى خيرات الوطن .
** تقنين اوضاع النوبيين بمنطقه التهجير (نصر النوبه )فعلى الرغم من معاناة النوبيين بنصر النوبه من سوء المنطقه وتصدع البيوت بسبب سوء الأرض بمنطقه التهجير(ارض انتفاشيه من المفترض عدم صلاحيتها لأقامة مشروعات سكنيه) وإلى جانب ما بذلوه من جهد منذ بداية التهجير فى زراعه بعض الأراضى البسيطه الصحراويه بتلك المنطقه فأن الدوله تضنى عليهم بأن تملكهم تلك البيوت التى تأويهم والأرضى التى بذلوا الكثير من الجهد والعرق من اجل زراعتها فمازالت تلك المنطقه ملكاَ للدوله ولم يحصل إى نوبى طوال تلك الفتره على إى صك يثبت ملكيته لبيته أو لما يزرعه من ارضى استصلحها بعرقه وجهده . وعلى ما أعتقد فذلك المطلب هو مطلب سهل الحل وليس به إى تعقيد فيجب ويتحتم على الدوله أن تعطى من يستقر فى نصر لنوبه عقود ملكيه لبيوتهم واراضيهم البسيطه التى يزرعونها وذلك الى جانب أتاحة الفرصه وتيسير الأمور لمن يريد الأنتقال منهم إلى المناطق القديمه حول البحيره ضمن الخطه المشار إليها فيما سبق وذلك لضيق المساحه بنصر النوبه وعدم وجود ظهير صحراوى للمنطقه مما لا  يعطى الفرصه لأى تمدد عمرانى طبيعى يسمح بأستيعاب الزياده السكانيه المطرده بالمنطقه ولذلك فمن المفترض اعتبار مناطق ما حول البحيره ظهيراً صحراوياً لمنطقه نصر النوبه المكتظه بالسكان .
و أننى أرى أنه يتوجب على قبل الأنتقال من تلك النقطه التنويه إلى وجود مشاكل أخرى بنصر النوبه بخلاف تقنين الأوضاع والظهير الصحراوى مثل مشكلات ضعف البنيه التحتيه بالقرى وافتقار أغلب القرى الى خدمات صحيه وعدم وجود أى مشاريع تنمويه بالمنطقه مما ترتب عليه ان تحولت المنطقه الى منطقه طارده للسكان ولكن ومع ايمانى بأهمية ايجاد حلول تلك المشاكل إلا انى مقتنع تماماً انها مشكلات عامه بكافة قرى مصر وعلى مستوى أغلب أن لم يكن كل المحافظات المصريه ولن تحل إلا عن طريق أعادة أهتمام الدوله بالمناطق الريفيه ووضع خطط تنمويه لكافة المناطق المهمشه بالقطر المصرى  ومن منطلق ذلك الأقتناع فأننى لم اسرد تلك المشكلات عند حديث عن المطالب النوبيه .
*** الحفاظ على الموروث الحضارى والثقافى النوبى وعلى ما أعتقد ان هذا المطلب من المفترض به ان يكن من أكثر المطالب النوبيه  أهميه على كافة الأصعده وذلك لمايمثله هذا الموروث الثقافى والحضارى من الأهميه على أساس انه يعتبر احد الروافد المهمه التى تصب فى النهر الثقافى المصرى الممدد عبرألاف السنين بل اننى يمكننى الذهاب ودونما أية مبالغه إلى ان الثقافه والحضاره النوبيه كانت لها تأثير كبير على المكنون الثقافى والحضارى الأفريقى وذلك مثبت فى كثير من الدراسه التى قام بها متخصصين فى الثقافات الأفريقيه وذلك باللأضافه إلى أن الحفاظ على التنوع الحضارى والثقافى بإى دوله هو دليل على مدى ما تتمتع به تلك الدوله من  الرقى والتحضر ولذلك فأننى أرى انه يتوجب على مصر الدوله أن تعمل على الحفاظ على ذلك الموروث الحضارى ولا يخفى على احد ما قامت به مصر ممثله فى وزارة الثقافه من اطلاق نداء عالمى للمساعده فى انقاذ أثار النوبه من الغرق عند بناء السد العالى  ذلك النداء الذى تبنته منظمة اليونسكو وصاغته فى شكل حمله دوليه لأنقاذ أثار النوبه من منطلق ما تمثله تلك الأثار ما أرث انسانى تاريخ يجب المحافظه عليه فتضافرت جهود العالم اجمع لأنقاذ الأثار .
وكما هو معروف للجميع أن البيئه فى بلاد النوبه القديمه وما تميزت به من انغلاق وبعد قد ساعدت الأنسان النوبى القديم فى الحفاظ على موروثاته الثقافيه وتوارتها عبر الأجيال على مدى ألاف السنين والتى تمثلت فى اللغه والعادات والتقاليد والموروثات ولكن وبعد التهجير وأنتقال النوبيين من محيطهم المنغلق أصبحت تلك الموروثات الثقافيه عرضه للأندثار وخاصةً اللغه التى تعتبر الوعاء الأساسى والركيزه الأولى للحفاظ على اى مكون ثقافى وكما هو معروف فأن انقراض أى لغه على مستوى العالم يعنى انقراض احد مكونات الثقافه الأنسانيه ولذلك فمن المفترض أن يكون الحفاظ على اللغه النوبيه وحمايتها من الأنقراض واجب وطنى وذلك للحفاظ على احد صور التنوع الثقافى فى المجمتع المحلى والعالمى .
وإلى جانب اللغه فيجب ويتحتم على الدوله أظهار التاريخ النوبى وأعاده دراسته وذلك من منطلق أن التاريخ النوبى يعتبر جزء مهم من التاريخ المصرى لا يجوزأغفاله بل اننى أرى وقد يشاركنى الكثيرين فى ذلك أن أى محاوله لأخفاء أو طمس أى جزء من تاريخ مصر على مر العصور سواء النوبى أو غيره هو تشويه وجريمه فى حق مصر والأنسانيه فالتاريخ الأنسانى هو فى الأصل عباره عن حلقات متصله بنيت بعضها فوق بعض وأى محاوله لطمس إى حلقه من تلك الحلقات هو جريمه فى حق الأنسانيه ولذلك فأننى اصر على حتمية أن يتم أضافة فصل عن التاريخ النوبى ضمن مادة التاريخ بالمدارس ولذلك حتى تعلم الأجيال الجديده مدى ما تتمتع به مصر من تنوع حضارى وثقافى  .
وبالنظر إلى المطالب السابقه والتى تشتمل حسب أعتقادى كافة المطالب النوبيه يظهر جالياً بساطه وعدالة ما نطالب به كنوبيين من حقوق واجبه ومطالب مشروعه  ولكن تلك المطالب على الرغم من مشروعيتها وعدالته تقابل من قبل النظام الحاكم بالتجاهل والتضليل ووضع العراقيل أمامها عوضاً عن السعى والعمل على تنفيذها وسأحاول أن أسرد الأسباب التى يقوم بسببها النظام الحاكم بعرقلت تنفيذ المطالب النوبيه (من وجهة نظرى ) فى نقطتين اساسيتين سأحاول ايضاحهم فيما يلى :
* من المعروف أن منطقة البحيره تعتبر أحد المناطق التى يطمع بعض رجال الأعمال ممن تربطهم مصالح مباشره مع النظام فى الأستيلاء عليها ولذلك فليس من مصلحتهم الأقرار بحق العوده للنوبيين إلى تلك المناطق ولذلك نجد أن النظام يتعامل مع مطلب النوبيين بالعوده أما بأظهاره على أنه خطوه يقوم بها النوبيين من اجل الأنفصال عن مصر أو إلهاء النوبيين بوعود رئاسيه زائفه كما حدث من مبارك عام 2005 بعد الأنتخابات الرئاسيه مباشرة عندما وعود النوبيين بأولويتهم فى العوده إلى مناطقهم الأصليه ذلك الوعود الذى قوبل بالفرح من بعض النوبيين والتسويف من قبل المسؤلين التنفيذيين والغريب أن هناك من النوبيين من صدق هذا الوعد وراح ينادى بتعاطف الرئيس مع المطالب النوبيه  وأهتمامه بتنفيذ مطالب النوبيين وألقوا باللوم على  بعض المسؤلين التنفيذيين الذين يسوفون فى تنفيذ ما وعد به السيد الرئيس ( ده على أساس أن فى مسؤل فى مصر ممكن يشتغل بفكره الخاص ويخالف اوامر الرئاسه) أو الحل الثالث الذى يتم تنفيذه الأن وهو أظهار ان المطالب النوبيه تتلخص فى عدد من البيوت هى الباقيه للنوبيين فى ذمة النظام والقيام ببنائها فى منطقة وادى كركر التى يرفضها غالبية النوبيين والتى لاتتفق مع مطالبهم وأسراع النظام فى البناء بتلك المنطقه ودونما وجود خطط شامله لتنميه المنطقه الهدف منه واضح وهو ان يمتنع النوبيين عن أستلام تلك المساكن او يستلموها ولا يقيمون بها فيقوم النظام بتقديم الأمر على أن النوبيين غير جادين فى حديثهم عن العوده وبالتالى احقية الدوله ممثل فى النظام الحاكم فى التصرف فى باقى المنطقه وأعطائه لمن يملك النيه الحقيقه للتنميه ( اللى هما طبعا مستثمري النظام الحاكم ) ولا أنكر أن هذا السيناريو الأخير لتمثلية كركر هو توقعى الشخصى للأحداث من واقع ما نعيشه من سيناريوهات فاشله أدمنها هذا  النظام .
* لا يخفى على احد ما يقوم به النظام من بث روح الفتنه بين أبناء الوطن وأزكائها عبر وسائل أعلامه المختلفه وذلك للوقعيه بين المصريين وإلهائهم فى مشاكل مصطنعه حتى لايعطى لهم المجال للتفكير فى المشاكلهم الحقيقه الممثله فى وجود ذلك النظام على سدرت الحكم فذلك فأنهم يعمدون إلى وضع العراقيل أمام كل من يطالب بحقوقه المشروعه فى الوطن ويصنعون قضايا وهميه فالنوبييون يسعون للأنفصال والمسيحيون يخزنون الأسحله فى اديرتهم وكنائسهم وغيرذلك من قضايا وهميه الغرض منها ألهاء الشعب عن أعدائه الحقيقين والغريب والمحزن فى الأمر هو وجود البعض ممن ينسقون وراء تلك الأوهام بل ويساعدون النظام فى مخططه سواءً عن قصد او عن جهل فللأسف فى الحالتين تكون النتيجه واحده هى غرق الوطن بكل أطيافه فى غياهب مشاعر من التعصب والكراهيه المستفيد الأول منها هو نظام دكتاتورى يرسى قواعد حكمه على انقاض السلمى الوطنى  .

ويمكن أن نخلص مما سبق إلى أن حل القضيه القضيه النوبيه وتنفيذ المطالب المشروعه والعادله التى نطالب بها كنوبيين لن تتحق إلا فى ظل نظام حكم وطنى يضع مصلحة الوطن فوق إى مصلحه أخرى ويعمل على أرساء قواعد ديمقراطيه حقيقيه تعمل على ترسيخ مفاهيم المواطنه وتعيد لمصر وجهها الحقيقى الذى يتسم بالتسامح وتقبل الأخر ذلك الوجه الذى يعمل البعض على أخفائه وأهالت أتربة العصبيه والكراهيه عليه .
وإذا ما كنا كنوبيين نسعى فعلياً إلى الحصول على حقوقنا المشروعه فيجب علينا أن ننفض عن أنفسنا مشاعر الخوف والتبعيه لذلك النظام وننضم إلى خندق الديمقراطيه ونمد أيدينا إلى أخواننا فى الوطن من اجل أنقاذ ووطننا الذى رضينا بالأنتماء إليه وضحى ابائنا وأجدادنا من أجله وأننى اجزم أننا أذا ما أستطاعنا الوصول إلى الديمقراطيه الحقيقيه فأن القضيه النوبيه ستتحول من قضيه صعبه وأحلام بعيدة المنال إلى مطالب مشروع سهلت التنفيذ .
وختاماً لا يسعنى إلا  أن أنوه إلى أن هذا المقال هو محاوله بسيطه منى فى طريق اظهار الوجه الحقيقى لقضيتنا ومطالبنا النوبيه التى نتوارثها كنوبيين جيلآ بعد جيل وخطوه فى طريق أعادة المطالب النوبيه إلى محيطها الوطنى الحقيقى بعيداً عن نعرات التعصب الأحمق ونظرات الكراهيه المتبادل التى لا مكان لها فى تاريخنا وعاداتنا التى بنيت على التسامح وتقبل الأخر سواءً على صعيد مجتمعنا النوبى أو محيطنا الوطنى المصرى

أنقاذ آثار النوبة من الغرق.. أضخم عملية انقاذ للآثار في التاريخ



تعرضت آثار النوبة للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902 وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار والمرة الثانية سنة 1912، والثالثة في سنة 1932. وفي كل مرة كان يتم عمل مسح للمواقع الأثرية، ويتم تسجيلها وعمل الخرائط اللازمة لها. وعندما تقرر إنشاء السد العالى أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية. وبعد مبادرة من مصر قامت هيئة اليونسكو بإصدار نداء دولي لأضخم عملية إنقاذ للآثار في التاريخ. واشترك في هذه العملية أكثر من أربعين دولة تقدمت إما بالمساعدة المالية أو المشاركة العملية، وتكفل كل فريق من هذه الدول بمسئولية ذات مهام محددة.
المهام التي قامت بها هيئة اليونسكوقام المجلس التنفيذي لهيئة اليونسكو بدارسة تقرير قام بإعداده مجموعة من الخبراء الدوليين، ودار موضوع التقرير حول جدوى إنقاذ أثار النوبة ومن ثم أصدرت هيئة اليونسكو نداءًا هامًا إلى العالم للمشاركة المالية والفنية لإنقاذ آثار النوبة. وصدر هذا النداء في الثامن من مارس سنة 1960 وكان بداية لمشروع غير مسبوق في التاريخ، وكانت المصاعب عديدة منها أن علماء الآثار يسابقون الزمن لإجراء الحفائر التي تمت في ظروف مناخية غير مواتية وكان عليهم التغلب على ذلك بشكل أو بآخر، وكان هناك العديد من المشاريع الضخمة التي يستلزم دراستها بهدف إنقاذ الآثار وتحسبًا لآية مشاكل هندسية ربما تظهر فيما بعد.واستمرت جهود الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة قرابة العشرين عامًا ولكن مع مرور الزمن تحققت أهدافها، وقام ما يقرب من أربعين بعثة أثرية من دول العالم المختلفة بعمل الدراسات العلمية للمواقع الأثرية، تم خلال ذلك فك ما يقرب من اثنين وعشرين أثر ونُقلوا إلى مواقع جديدة.وتشهد قائمة المعابد التي تم نقلها على ضخامة العمل الذي تم في إنقاذ آثار النوبة ومن المعابد التى تم نقلها: معبدى "أبو سمبل"، ومعابد فيلة، معبد دابود، كلابشة، وادى السبوع، دندور، عمدا، الليسية، بيت الوالى، دكة، المحرقة، الدر، بوهن وغيرها. ولقد اكتمل العمل في إنقاذ هذه المعابد على الوجه الأكمل في الوقت الذى بلغ ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر الحد الذي كان يُخشى منه لو ظلت الآثار قائمة في مواقعها السابقة.



نبذه عن أثار النوبه التى تم أنقاذها :

معابد فيلة


تقع جنوب مدين اسوان امام خزان اسوان وتم نقل مجموعة المعابد الي جزيرة ذات منسوب مرتفع عن المياه وتم النقل ضمن مشاريع انقاذ اثار النوبة يرجع اسم فيلة الي اللغة اليونانية التي تعني " الحبيبة " او "الحبيبات " ام الاسم العربي لها فهو انس الوجود نسبة لاسطورة
 انس الوجود في قصص الف ليلة وليلة اما الاسم المصري القديم والقبطي فهو "بيلاك" او بيلاخ ويعني الحد او النهاية لانها كانت اخر حدود مصر في الجنوب ومجموعة المعابد كرست لعبادة الاله ايزيس غير ان الجزيرة احتوت علي معابد لحتحور وامنحتب وغيرها من المعابد التي اضيفت في عصور مختلفة وهي من اجمل مناطق الزيارة في اسوان للضامة المعمارية والاضافات المختلفة الطراز مثل
( كشك تراجان – وبوابة هادريان – والمعبد الروماني – وبيت الولادة – والقرية المسيحية ) وتم انقاذ معابد فيلة بالتعاون المصري الايطالي في اطار الجهود الدولية لانقاذ اثار النوبة خلال الفترة من 1972 حتي 1980

معبد كلابشه

   
هذا المعبد من افخم معابد بلاد النوبه وهو على بعد 55كم من خزان اسوان  وقد عرف   قديما باسم تالميس وعلى الرغم من ان تاريخه يرجع الى اوائل العصر الروماني الا انه   يعتبر بحق اعظم واجمل المعابد في بلاد النوبة بعد معبدى
  ابى سمبل وهي اقدم الاثار الموجود بها امنحتب الثاني وتحتمس الثالث  وتبلغ مساحته    (74 * 33متر ) وشارك في بناءها كاليجولا والامبراطور تراجان واغسطس  وكرس   لعباده الاله   ((ماندوليس )) بالاضافه الى اوزوريس وايزيس ويزخر المعبد بنقوش   مسيحية بعدما تحول الي كنيسة يوجد بجانبها حاليا



معبد بيت الوالي

في المنطقه المرتفعة على مقربه من معبد كلابشه وهو بيت الوالي الذي يرجع  تاريخه الى عصر الملك رمسيس الثاني  وكرس للاله خنوم امون وعنقت والمعبد مكون من فناء وصالة وقدس الاقداس استخدم المعبد ككنيسة في العصر المسيحي وهو منحوت في الصخر وتم جمع معبد كلابشه ومعبد بيت الوالي بالقرب من السد العالي.

معبد الدكه

يقع على بعد 20كم جنوب جرف حسين اى نحو 110كم من خزان اسوان وشيد من قبل الملك النوبي اجفر امون  في عصر البطالمه 250 ق.م وترجع الاصول الاولي للمعبد الي الدولة الحديثة اسماء حتشبسوت وتحتمس الثالث وسيتي الاول ومرنبتاح وقد ساهم العديد من الملوك في اقامة ونقش هذا المعبد
مثل  بطليموس الرابع و الثامن والامبراطور الروماني اغسطس وقد تم فك هذا المعبد بين عامى 62-1968 ونقل الى مكانه الجديد بالقرب من السبوع .


معبد الدر

وبها المعبد الوحيد المحفور باكمله في الصخر يقع على مسافة
 206كم من خزان اسوان بناه رمسيس الثاني في منطقة النوبة
على الضفه اليمني للنيل تم تكريسه للالهين بتاح امون ورمسيس
الثاني نفسه تزخر جدران المعبد بحملات رمسيس الثاني نفسه علي بلاد النوبة وقد  تم فك ونقل هذا المعبد الى مكانه الجديد بالقرب من عمدا في عام 1976 وهو يشبه في عناصره المعماريه ونقوشه معبد ابو سمبل الكبير ما عدا تماثيل الواجهة

منطقة  السبوع وعمدا
السبوع
يقع في منطقة وادى العرب على بعد 158كم جنوب خزان اسوان على الضفه الغربيه للنيل ويعتبر ثاني اضخم المعابد بعد ابو سمبل عرف بهذا الاسم نتيجة لوجود مجموعة من التماثيل علي هيئة ابو الهول وكرس المعبد للاله امون رع حور اختي ورمسيس الثاني نفسه و يوجد المعبد بين معبدين من الدوله الحديثه او لهما بناه امنحتب الثالث  وهومعبد صغير يبدو ان المعبد كان مكرسا لعباده الالهة المحلية على شكل  حورس ومثل في اماكن اخرى على شكل امون . اما المعبد الاخر فهو معبد ضخم بنى في عهد رمسيس الثاني ويبعد حوالي  150م من الشمال الشرقي للمعبد الاول والجزء الامامي منه مبني من الحجر  الرملي اما بقيه اجزاؤه فقد نحتت في الصخر وقد نقل المعبد خلال عمليات  انقاذ اثار النوبة الي موقعه الجديد الذي يبعد حوالي 4كم الى الغرب من الموقع القديم.

معبد عمدا

يقع على بعد20كم من مجموعة السبوع بني في عصر كل من تحتمس الثالث وامنحتب الثاني وقد كرس لعباده كل من امون رع ورع حوار اختي ثم اضيفت له صالات احتفالات  في عصر تحتمس الرابع وفي عصر العديد ملوك الاسره التاسعة عشر وخاصة سيتي  الاول رمسيس الثاني تم عمل بعض الترميمات لهذا المعبد واضيفت له العديد من النقوش وكرس لعبادة الالهين امون رع وحور اختي  وتم نقله في  الفترة من 1964الي عام 1965 الي موقعه الجديد.



المحرقه

يقع على بعد 115كم من خزان اسوان بني في العصر الروماني ويتكون من قاعة واحدة محاط من ثلاث جوانب باعمدة ذات تيجان نباتية مركبة وكان مخصصا للاله سرابيس.

اثار ابريم

بعد مسافة لا تزيد علي سبعة عشر كم جنوب الدر أى بعد 225كم من خزان اسوان توجد اثار قصر ابريم ويمكن تقسيمها نوعين :اولهما قلعة قصر ابريم  والثانية هياكل قصر ابريم.  ويرجع تاريخ اثار ابريم الي العصور القديمة ولكن لم تلعب دورا خطيرا في  تاريخ هذه المنطقه الا منذ العصر الروماني وتقع فوق ربه شاهقة من الضفه القابلة لبلده عنيبه. وقد ذكرت هذه القلعة كثيرا في تاريخ الحروب وكانت ضمن المناطق التي حرص السلطان سليم الاول علي احتلالها وارسل حامية من اهل البوسنة وقد وجد في هذه القلعة كنيسة ومعبد متاخر وللاسف ان هذا كله اصبح مهدم وليس بها الان الا اثار بسيطة

مقبرة بنوت

تقع علي بعد 205 كم جنوب السد العالي وكانت هذه المفبرة بنوت الذي كان من كبار الموظفين في عهد الملك رمسيس الثاني في عنيبة واوصي بان يدفن في بلاد النوبة تتكون المقبرة من غرفة مستطيلة تنتهي بنيش تتضمن ثلاث تماثيل مهمشة سجلت علي جدران المقبرة اوضاع تعبدية وجنائزية ومحكمة اوزوريس

مقبرة أبوعوده

يرجع انشاؤها الي عام 1325 قبل الميلاد علي الشاطي الشرقي للبحيرة امام مدينة ابوسمبل

معبد ابو سمبل الكبير

واجهة المعبد بها اربعة تماثيل ضخمة للملك رمسيس الثاني جالسا علي عرشه مرتديا التاج المذدوج لمصر العليا والسفلي تتوسطها بوابة المعبد وقد خصص هذا المعبد لعبادة الاله "رع حور اّختي " اله الشمس المشرقة وتصور احدي اللوحات الضخمة معركة قادش بين رمسيس الثاني والحيثيين وفي نهاية المعبد علي عمق 65 مترا يوجد قدس الاقداس بها اربعة تماثيل للآلهة رع حور اّختي – امون رع – بتاح والملك رمسيس الثاني ومن المعجزات الفلكية دخول اشعة الشمس لتشرق علي هذه التماثيل مرتين كل عام الاولي 22فبراير بمناسبة جلوسه علي العرش والثانية 22اكتوبر بمناسبة ذكري مولده

معبد ابو سمبل الصغير

ويطلق عليه ايضا معبد حتحور الهة الحب والموسيقي والجمال ولقد بناه رمسيس الثاني تخليدا لزوجته المحبوبة نفرتاري ويمتاز المعبد بجمال رسومه ووضوح الوانه رغم صغر حجمه مقارنة بالمعبد الكبير – والمعبد عبارة عن صالتين وفي نهاية المعبد قدس الاقداس وكان به تمثال للالهة حتحور علي شكل بقرة وتمثالا لرمسيس الثاني ونفرتاري تحطما ولم يبق منهما شي وفي واجهة المعبد يوجد 6 تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وتمثالان لنفرتاري

معابد تم انقاذها واهديت لدول ساهمت في الحملة الدولية لانقاذ اثار النوبة
1 – معبد طافا       وقد تم اهداؤه لهولندا
2  - معبد دندور      وقد تم اهدوه لامريكا
3 – معبد الليسيه      وقد تم اهداؤه لايطاليا
4 – معبد دابود        وقد تم اهداؤه لأسبانيا
نظير مساهمات هذه الدول في مشروعات الحملة الدولية لاثار النوبة
ويمكن تحميل الجدول الزمنى لأنقاذ أثار النوبه من هنا

قصه أنقاذ أثار النوبه كما يرويها د. ثروت عكاشه

مقدمه :
لا يمكن  لأحد أن ينكر الدور المشرف والعظيم الذى قام به الدكتور ثروت عكاشه على الساحه الثقافيه المصريه فهو اول وزير لوزارة الثقافه المصريه التى نشأت عام 1958 وقد تم فى عهد الكثير من المشروعات الثقافيه الهامه نذكر منها على سبيل المثال :
 أنشاء أكاديميه الفنون (بمعاهدها المختلفه) -  أنشاء دار الكتاب والوثائق المصريه الجديده – تأسيس فرقه الموسيقه العربيه والفرقه القوميه للفنون الشعبيه - أنشاء مشروع الصوت والضوء فى (الهرم و الكرنك والقلعه )
وغيرها الكثير من المشروعات الثقافيه التى تبنها ورعاها فى تلك الفتره حتى اصبح وبحق أحد افضل من تولى مهام وزارة الثقافه المصريه أن لم يكون حقاً أهم وزير ثقافه مصرى.
اما دوره فى انقاذ اثار النوبه فيرويه فى كتاب (أنسان العصر الحديث يمجد رمسيس) الذى أصدرته هيئة الأثار المصريه عام  2008 ويروي قصة الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة‏,‏ كما يتضمن أيضا جزءا مهما وإن كان مجهولا عن جهود اخري لمصر في مجال انقاذ الآثار في العالم وهي تلك الحملة الخاصة بانقاذ مدينة البندقية التاريخية‏(‏ فينسيا‏)‏ بايطاليا‏,‏ والتي قادها أيضا الدكتور ثروت عكاشة‏ والذى ننقل منه هذا الجزء الموجود بالكتاب المذكور تحت عنوان (كنت شاهد على أنقاذ أثار النوبه )
              ______________________________________________

 



كنت شاهد على أنقاذ أثار النوبه
بقلم د. ثروت عكاشه
بعد أن اتخذت مصر قرارها الجسور بإنشاء السد العالي في أسوان عام 1954, كانت إقامة هذا السد إيذانا بخلق بحيرة فسيحة من المياه تغمر منطقة النوبة الزاخرة بآثار حضارتنا التي شدت إليها عيون العالم على مر العصور. وفي أواخر عام 1958 كنت أحمل مهام وزارة الثقافة التي كان من مسئوليتها الأولى الحفاظ على آثارنا القديمة بوصفها جزءا مهما من تراث الحضارة الإنسانية. وفي شهر نوفمبر زارني السفير الأمريكي يصحبه مدير متحف المتروبوليتان بنيويورك الذي بادرني قائلا: جئت أشتري واحدا أو اثنين من معابد النوبة المحكوم عليها بالغرق بعد بناء السد العالي. وقد أثارتني هذه الرغبة المفاجئة وضقت بأن يدور بخلد أحد أن يكون تراث أسلافنا مما يباع ويشترى. لذا سارعت بالقول معاتبا: كان جديرا بمتحف المتروبوليتان أن يبادر بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث الإنساني بدلا من التفكير في شرائه.
وكان هذا اللقاء على قصره بداية ارتباطي بآثار النوبة. فرأيت أن أزورها مصطحبا معي الدكتور أحمد بدوي أحد كبار العلماء الأركيولوجين وأحد كبار مهندسي الآثار وأمضينا في هذه الرحلة أسبوعين. ولشد ما فزعت عندما اكتشفت أن ما كان يجري على أرض النوبة كان مقصوراً على تسجيل وتوثيق هذه المعابد على أساس أن هذا الجهد هو كل ما تتسع له إمكانات الدولة حينذاك. أحسست بهول المأساة وانتابني الذعر, إذ كيف يترك هذا التراث لتغمره مياه النيل ؟ كانت وزارة الثقافة في مصر بعد وليدة لايتجاوز عمرها ثمانية شهور, وكان إنشاؤها علامة من علامات الحيوية في نظام حكمنا الذي خص الثقافة بهذه الرعاية. لذا كان تفريطها في العمل على إنقاذ تلك المعابد يعد سُبة لايغتفرها التاريخ لنا.. وكان معي خلال تلك الجولة كتاب شائق للأديب الفرنسي الشهير بيير لوتي عضو الأكاديمية الفرنسية, كنت قد اشتريته منذ بضع سنين في باريس, جذبني إليه عنوانه الآسر (موت فيله) وكونه الطبعة الأولى الصادرة عام 1907, فكنت أقضي نهاري في مشاهدة أوابد العبقرية, وليلى تؤنسنا بصوت لوتي وهو يحدث عنها. وإذا أنا أجد الكاتب ممن يهيمون بتراث مصر ويقدسونه, وإذا هو يفزع لما نال هذا التراث من غمر المياه له بعد أن شيد خزان أسوان في مطالع القرن, وإذا هو يناشد المثقفين المصريين بأن يهبوا للذود عن تراثهم متخذا من غرق جزيرة فيله لؤلؤة مصر وإحدى عجائب الدنيا رمزاً لموت مصر القديمة وإيذانا بنهاية هذه الأمة التي خلقت أول حضارة في العالم وأروعها. على أنه أنهى كتابه بصرخة فاجعة يتمنى فيها على المصريين أن يهرعوا إلى الحفاظ على تراثهم الخالد.
كان المفروض أن تقوم وراء السد العالي بحيرة صناعية فسيحة تمتد حوالي ثلاثمائة كيلو متر في أرض مصر وحوالي مائة وسبعة وثمانين كيلومترا في أرض السودان, ويرتفع منسوب المياه إلى مائة وثمانين مترا فوق سطح البحر. وكان معنى هذا أن تغمر مياه البحيرة الجديدة جميع آثار بلاد النوبة المصرية والسودانية إلى الأبد.
ولم يكن مقدرا لمعبدي أبوسمبل وهما أكثر معابد المنطقة ارتفاعا أن يفلتا من هذا المصير الموجع, فقد كانت مياه التخزين وراء خزان أسوان لاتتخطى مائة وواحدا وعشرين مترا وهو نفس مستوى أرضية المعبد الكبير الذي يبلغ مائة وأربعة وعشرين مترا بينما كان متوقعا أن ترتفع مياه بحيرة السد العالي إلى مستوى مائة وثلاثة وثمانين مترا أي بزيادة ارتفاع قدره اثنان وستون مترا على مستوى بحيرة خزان أسوان, وهو ماكان يعني غمر المعبدين تماما.
وهكذا ضمت بلاد النوبة أملاً وقلقاً: أملا يتمثل في سد عال يوفر لشعب مصر الخصب والرخاء, وقلقاً على تراث حضاري عال مهدداً بالغرق والفناء. ولم يعد من الممكن أن نقصر تفكيرنا على بناء السد وحده, بل كان من الواجب أن يمتد تفكيرنا إلى إنقاذ آثار النوبة ومعابدها السبعة عشر. هكذا كانت الصورة في أواخر 1958: خطوات جادة تجري لإنشاء السد العالي وتسجيلات لآثار النوبة, وأيد مكتوفة أمام الخطر المحدق بآثار النوبة الغالبة, وحيرة عميقة في النفوس أمام هذا التساؤل: كيف لثورة يوليو 1952 أن تشتري رخاء المستقبل بالتفريط في معالم خالدة من تراث الماضي ؟ وكيف يكون مستقبلنا مشرقا إلا إذا كان امتدادا لماضينا العريق ؟ وهل يمكن أن يتحقق النمو الاقتصادي دون وعي ثقافي ؟ وهل يكتمل الوجه الحقيقي لثورة يوليو إذا شيدت السد العالي الذي يهدف إلى رفع مستوى معيشة الإنسان المعاصر في بلادنا دون أن تحافظ على أسمى ما أبدعه الإنسان في تاريخه البعيد ؟ وهل يتألق وجدان إنسان الحاضر إذا وجد مايشبعه من ماديات دون أن يجد إلى جانبه مايشبع حسه من روحانيات ؟ ومع كل يوم كان يقترب فيه وداع آثار النوبة كان الإحساس يتضاعف بوجوب عمل شيء من أجل إنقاذها حتى لايأتي هذا اليوم أبدا.. فما أجدرها أن تعيش آلافا أخرى من الأعوام.
وحين وقفت استعرض آثار النوبة متطلعا إلى معبدي أبوسمبل المنحوتين في جوف الجبل, متأملا معابد فيله ومتخيلا المياه وقد ابتلعت هذه الآثار أحسست حسرة شاملة تملأ نفسي وتدفعني إلى التشبث بهذه الآثار, وراودني مايشبه الحلم الأسطوري, وتراءى لي وأنا موزع النفس بين عالمي الصحوة والغفوة أن يداً عملاقة تندس في أعماق التربة وتزحزح هذه المعابد الشامخة من مرقدها وتصعد بها إلى قمم الجبال حولها, وتترك لمياه السد مكانا تتماوج فيه على هواها. ومع ثقتي في أن حكومتنا مشغولة بهموم فك قيود الفقر عن ملايين المواطنين بما لاتحتمل معه أن توفر من مالها وطاقتها المحدودين ماينقذ للبشر تراث أسلافهم, أخذت نفسي تسترجع ذكريات فترة أثيرة من حياتي حين أمضيت ماينوف على سنوات ثلاث أعمل ملحقاً حربيا بباريس كنت أتابع خلالها بشغف وإعجاب نشاط منظمة اليونسكو الوليدة, والتي كانت تشغل وقتذاك مبنى قريبا من سفارتنا, مؤمنا إيمان المتفائل بما يمكن أن تحققه هذه المنظمة السامية الأهداف من خير للبشرية في ميادين الفن والثقافة والجمال. وتساءلت بيني وبين نفسي هل يمكن لليونسكو أن يكون لها دور في إنقاذ آثارنا ؟ فقد رسخ في يقيني أن هذه المنظمة التي ينص ميثاقها على السهر على صيانة الآثار الفنية ذات الأهمية التاريخية هي الباب الوحيد المتاح الذي لامناص من أن نطرقه أملا في إنقاذ تلك الروائع على الصعيد الدولي, فهي القادرة على تفهم المخاطر الجدية على هذا المستوى من الرصيد الثقافي للإنسانية. وإذ كنت وقتها أعيش في عذاب القلق الذي يبعثه الإحساس بمواجهة (المستحيل) تساءلت لماذا لانمنح المستحيل فرصة كي يصبح محتملا.. أو أملاً ؟ فعزمت على أن أتصل لساعتي بمدير منظمة اليونسكو لأستوضحه الرأي وأشركه معي فيما أتردى فيه من حيرة, علي أجد عنده ما ينقذني منها, وأعلم منه مدى العون الذي تستطيع المنظمة أن تمنحنا إياه فيما إذا قدر لنا أن نأخذ في إنقاذ هذه المعابد. وإذا بي أعلم أن مساعد المدير العام لليونسكو المسيو رينيه ماهيه موجود في أديس أبابا فاتصلت به لتوي ليلقاني في طريق عودته إلى باريس, فحدد لي موعدا في مطلع شهر يناير 1959 ليلقاني بالقاهرة بين موعد طائرتين نظرا لارتباطه بالتزام رسمي في اليوم التالي بمقر المنظمة في باريس.
استقبلته بالمطار في الثامنة مساء لأصطحبه إلى مكتبتي بقصر عابدين, وكنت قد أشرت بإعداد خريطة ضخمة لمجرى النيل من وادي حلفا جنوبا حتى أسوان شمالا مبينا عليها المعابد السبعة عشر المنتثرة على ضفتي النيل لتكون تحت بصره. وكذا عرضنا صوراً فوتوغرافية مكبرة بارتفاع الحائط لكل معبدعلى حدة كي تكشف له عن أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه منظمة اليونسكو إذا ما شاركت في تنفيذ مشروع قد يغدو أعظم إسهاماتها في الميدان الثقافي. مضيت أشرح له قضية إنقاذ آثار النوبة, وكنت شديد القلق بينما أقترح عليه أن تعد منظمة اليونسكو حملة دولية لإنقاذ هذه الآثار تجمع فيها المساهمات المادية والعلمية التي لم أشك في أن الهيئات الثقافية في العالم ستبادر بتقديمها, موضحا له استعداد حكومة مصر لتحمل نصيب مناسب في هذه العملية الإنشائية التي تفوق الخيال. وكان مما أثار حماسته وإقناعي له بأن مقترحاتي هذه تكاد تكون بمنزلة (هدية) إلى اليونسكو تذيع معها ـ لو أنها تبنتها ـ شهرة المنظمة لتتطرق إلى وجدان كل فرد من أفراد البشر. ثم هي لاشك سابقة للمنظمة سيكون لها ماوراءها. وهذا ماحدث فعلا إذ ما كادت منظمة اليونسكو تفرغ من هذا المشروع حتى شاركت في غيره. ودارت المناقشة ساعات ثلاث, وإذا هو يبعث في نفسي الأمل حين همس في أذني بالمثل القائل: إن الحياة إلى زوال ولكن الفن خالد. فعقبت عليه أقول: ولكن ألا ترى أن أسلافنا كانوا يؤمنون بأن الحياة والفن متلازمان لا بقاء لأحدهما إلا ببقاء الآخر؟ وبتلك النظرة من السلف إلى الفن نتقدم إلى اليونسكو بهذا المشروع الذي هو أكبر من أن تضطلع به دولة بمفردها, لاسيما وهي تمر بفترة تنمية تواجه فيها هموما أساسية ينبغي عليها تذليلها, وليس أمامنا غير التعاون الدولي. وحين وجدت منه استجابة لما عرضت وإحساسا منه بمخاوفي ردت إليّ طمأنينتي. ولقد قدرت له قلقه هو الآخر على ضياع تلك الآثار في غمرة الغرق وإيمانه بضرورة مد يد المنظمة لتشارك في تحقيق الأمل. هنا أيقنت أن العناية الإلهية وحدها هي التي أتاحت لي أن ألتقي هذه الشخصية التي تجمع بين الود الصادق والفكر الثاقب. لقد غمرتني فرحة أيما فرحة حين وجدت منه ذلك الاستعداد المبدئي للمشاركة. ليس ذلك فحسب بل إنه بدا ـ تواضعاً منه ـ وكأنه الشاكر لا المشكور, وكأنه في هذا يردد قول الشاعر:
شكرا لك يا أخي إذ منحتني دفء أخوتك


شكرا لك إذ أزكيت شجاعتي بثقتك

شكرا ليس فوقه شكر, إذ أتحت لبرهة من حياتي أن تنبض بحلم كبير




شكرا لك إذ هيأت لي فرصة مساعدتك


فوهبتني منحة الخلاص

صحبت رينيه ماهيه إلى المطار حيث استقل طائرته في الثانية صباحا, ومضى إلى باريس بعد أن استمهلني ثمان وأربعين ساعة ليعرض فيها اقتراحي على السنيور فيتورينو فيرونيزي المدير العام لليونسكو ويخطرني بعدها بما يستقر عليه الرأي. وهمست في أذنه مودعا على باب الطائرة وأنا أعطيه نسختي من كتاب (موت فيله) لبيير لوتي الذي كنت قد حملته معي لكي يقرأه, مؤمنا أنه هو الآخر داعية قدير لنفس القضية التي باتت أهم ما يشغلني على المستويين الحضاري والوظيفي. همست في أذنه: فلتتضافر أيدينا كي نسحب المياه من تحت قدمي إيزيس, عسى أن نضيف يوما خاتمة لكتاب (موت فيله) بعنوان (بعث فيله). ولم تكد تمضي اثنتا عشرة ساعة حتى سمعت رنة الهاتف, وما كدت أرفع السماعة حتى فاجأني صوت رينيه ماهية يحدثني من باريس بأنه قد عرض اقتراحي على المدير العام. وما انتظر ردي المتلهف على سماح النتيجة حتى تابع حديث بقوله: إليك هو ليحدثك بنفسه. فاستمعت إلى السنيور فيرونيزي يزف إلي نبأ اقتناعه بالمشروع, وبأنه على استعداد لعرضه على المجلس التنفيذي لليونسكو إذا ما تسلم طلبا رسميا من الحكومة المصرية. ومالبثت أن تسلمت رسالة من رينيه ماهية في أواخر شهر يناير 1959 يبلغني فيها رسميا استعداد منظمة اليونسكو للقيام بدراسة الوسائل العلمية لحماية تلك الكنوز الفنية والتاريخية طالبا التفاصيل الخاصة بكلفة المعونة المطلوبة.
كانت هذه الخطوات السالفة كلها من وحي ضميري ومن وازع نفسي لا أستملي فيها عن أحد, فلقد كان الله من ورائي في جميع خطواتي يسددها ويوفقني إلى مافيه الخير.
وجدتني لابد لي قبل البدء فيما أنا مقدم عليه من أن أظفر بموافقة رئيس الجمهورية وتأييده, فأسرعت لكي ألقى الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله, الذي أنصت إليّ طويلا وكأنما أحدثه عن حلم عصي على التحقيق, ثم التفت إليّ مبتسما وهو يخال أن ما حدثته به خيالاً وجموحا وشططا, وإذا أنا يتمثل أمامي لحظتها إقدامه على بناء السد العالي, فقلت له: ياسيادة الرئيس إن ثورة مصر التي تمضي في جرأة وشجاعة لبناء المستقبل يجدر بها أيضا أن تلتفت إلى آثار الماضي فتحميها وتحفظها.. وإذا أنا أرى على وجهه مسحة من الطمأنينة, وإذا هي تغشي صوته, فيتساءل عما يكون من ضمان للتعاون الدولي وسط الظروف السياسية العاصفة التي كنا نمر بها وقتذاك. وحين أحس مني رحمه الله إيماني الصادق العميق بما في الإنسانية من كرم ينبعث دوما مع القضايا النبيلة, وبأنه مما لاشك فيه أن منظمة اليونسكو ستضطلع بعبئها في إنقاذ تلك الآثار الإنسانية التي تعني العالم أجمع على أي صورة كانت وفي أي بلد قامت, بدأ حديثي يستميله, وأخذ يسألني ترى كم سيكون نصيب مصر في هذا المشروع ؟ فأجبته أن هذا السؤال سابق لأوانه, إذ لم تحدد بعد نوعيات مشروعات الإنقاذ وتكاليفها, ولكن مانستطيع أن نفعله الآن هو أن نتعارف على نسبة معقولة تكون من نصيب مصر, لكي يرى العالم أننا جادون في إنقاذ تراثنا, وأننا لن نكون عالة على غيرنا. وانتهينا أخيراً إلى أن تكون نسبة إسهام مصر في حملة الإنقاذ هي الثلث. ولم يلبث بعد أن عرف تفاصيل المشروع أن باركه, فما إن سمعت هذه الموافقة اطمأننت الاطمئنان كله ودعوته لزيارة معبدي أبوسمبل, وعرضت الأمر على المجلس الأعلى للآثار الذي سرعان ماظفرت بتأييده وتشجيعه.
تلك كانت بداية القصة, فلقد كانت الجهود كلها قد انتهت إلى الاكتفاء بتسجيل آثار النوبة ومعابدها فحسب, فإذا هذا المشروع الجديد الذي أقدمت عليه وغامرت به تحت إلحاح من إحساسي بالمسئولية يتناول شيئا لم يكن, فقلب الأمور رأسا على عقب, وإذا هو مشروع للإنقاذ لا للتسجيل, ومشروع لحفظ الآثار ظاهرة على وجه الأرض لامودعا إياها لتبتلعها المياه وتصبح أثرا بعد عين.
ألا ما أكثر التحديات التي واجهتنا عند تنفيذ هذا المشروع فلم تثننا عن المضي فيما أخذنا فيه عقبات كثيرة يضيق بها الحصر, بدءاً بالظروف الدولية العسيرة التي اكتنفت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة, والصراع المرير بين الكتل الدولية في العالم, وإصرار مصر على استقلالية مواقفها إزاء الأحداث السياسية العالمية, ثم اعتماد الحملة الدولية على المساهمات الاختيارية وتركها الأمر لكل دولة لتقرر موقفها منها, وما يثقل كاهل بعض الدول من التزامات, وماتتعرض له بعضها من أزمات. ثم ضخامة المشروع نفسه والتحدي الذي انطوى على تغيير شامل في طبيعة المنطقة, وانتزاع معبد كامل من بطن الجبل ومن زحف مياه النيل عليه والارتفاع به أكثر من ستين مترا, وإعادة إقامته في مكانه الجديد, ثم إحاطته بهضبة جبلية ليعود أقرب مايكون إلى طبيعته الأولى, ثم احتياج المشروع إلى أعلى كفاية فنية للإشراف عليه والاطمئنان إلى سلامة تنفيذه, وارتياب دول العالم في إمكان تنفيذ ذلك على الوجه المرضي حتى ولو كان واقعا في أرض دولة من الدول المتقدمة, ثم الظروف الشاقة التي تركت فيها منطقة النوبة بعد تهجير أهلها واستحالة الحياة فيها إلا بجهد كاد أن يكون أسطوريا, ثم تيسر ظروف العمل والحياة لآلاف من الفنيين, بينهم عدد كبير من الأجانب. وفضلا عن ذلك كله بعد الشُّقة وقسوة الطبيعة وسوء الأحوال الجوية في شهور الصيف القائظة مع برنامج صارم لتنفيذ مراحل السد العالي لاينى أو يتراخى. وإلى جوار هذا أيضا مواقف دولية في المساهمة مترددة, وكثير منها وعود, وعملات حرة مطلوبة بلا رصيد أحيانا. كل ذلك كان يمثل عقبات لابد من أن تكون في الاعتبار أثناء المضي في المشروع. لكن مصر صمدت أمام جميع تلك العقبات والمصاعب التي اعترضتها, فلقد كانت بين يدي تجربة تمس كرامتها وعزتها وتستنفر عراقتها, ومضت الأعمال منذ اللحظة الأولى لاتتوقف, في القاهرة حيث مركز التوجيه, وفي أنحاء النوبة وفي أبوسمبل خاصة حيث العمل يجري في سباق مع الطبيعة والنيل, والثقة تملأ قلوب العاملين, فلم يتوقف العمل لحظة حتى إبان محنة يونيه 1967 إلى أن كللت الجهود الصادقة بالنجاح وتم إنقاذ المعبدين. ففي يوم 22 سبتمبر 1968 شاعت في سماء مصر وأرضها أنسام فرحة غامرة, فرحة النجاح في انتزاع أجمل آثار حضارتنا القديمة من يد الفناء والصعود بمعبدي أبوسمبل إلى منصة الخلود, تلك المنصة التي التقت على صنعها أياد من مختلف أنحاء العالم ضمها تعاون صادق وإيمان عميق بقيمة الثقافة وأهمية الأوابد الفنية, والتقاء روحي حار يذوب معه اختلاف اللغات والأجناس والأديان, ولايطل فيه غير وجه الإنسان بنقائه وسموه. ولولا ما كان يشوب نفوسنا من مرارة هزيمة يونيه 1967 لجاءت فرحتنا كاملة بهذا النصر الثقافي الشامخ.
على أن إنقاذ معبدي أبوسمبل لم يكن هو كل ماحدث في بلاد النوبة حيث تناثر التراث الأثري في كل مكان من هذه الساحة الشاسعة. ولكن الشيء الجدير بالتسجيل هو أنه قد تم إنقاذ معابد النوبة السبعة عشر جميعا وأعيدت إقامتها في مواقع متفرقة.
على أن مصر تعرف أيضا كيف ترد الجميل فإذا هي تهدي معبد دابود لحكومة إسبانيا ومعبدطافا لحكومة هولندا ومعبد الليسيه لحكومة إيطاليا ومعبددندور لشعب الولايات المتحدة الأمريكية تقديراً لما نالته من مساهمة كبرى على أيديه.
ومن قبيل قدرة مصر على رد الجميل لمن يسدي يداً إلى تراثها العريق ولتقيم بهذا الدليل الحي على حضارتها في أراض متفرقة من الدنيا وبين شعوب مختلفة من العالم, أنها كانت صاحبة المبادأة بين الدول الأعضاء في اليونسكو التي نادت بضرورة إنقاذ مدينتي البندقية وفلورنسا وماتحويان من كنوز إزاء المخاطر التي تعرضت لها. بل ولقد كان الرئيس عبد الناصر وفياً عندما أذن لي قبل أن أعلن هذه المبادرة في المجلس التنفيذي لليونسكو الذي كنت أتشرف بعضويته لثمان سنين بأن مصر تضع تحت تصرف المديرالعام لليونسكو أول مبلغ تلقته المنظمة الدولية لإنقاذ آثار فلورنسا عام 1967 تلاه مبلغ آخر في عام 1969. وحين انتخبت بعد ذلك نائبا لرئيس اللجنة الدولية لإنقاذ البندقية لم أتردد لحظة في القبول وتطوعت للعمل بها ما ينوف على سنوات عشرا. وحين أصدرت منظمة اليونسكو لحسابتها كتابي (رمسيس يتوج من جديد) باللغة الفرنسية الذي تناول فيه بالشرح والتحليل جميع مراحل حملة إنقاذ آثار النوبة تنازلت بدوري عن جميع حقوقي المادية والأدبية لمصلحة مشروع إنقاذ مدينة البندقية, فمصر تؤمن بأنه مما يثري حضارة أمة قدرتها على الأخذ والعطاء معا.
وحسبي أن أتلو فقرة من خطاب مدير عام اليونسكو في مؤتمر الدول المشتركة في إنقاذ معابد فيله بالقاهرة في 19 ديسمبر 1970 بلور فيها قيمة الحملة الدولية فإذا هو يخاطبني قائلا: (والآن التفت إليك لأقول لقد كنت أنت صاحب فكرة الحملة الدولية التي تقودها منظمة اليونسكو, وكان ذلك في شهر يناير 1959 عندما حدثتني عنها لأول مرة, فأيقنت عندها أن الأمر بالنسبة لك لم يكن يعني فقط ـ أو حتى أساسا ـ مجرد وسيلة لجمع الأموال اللازمة, بل إن الأهم في نظرك ـ وفي نظري أنا الآخر ـ هوالدلالة المعنوية للمشروع, والقيمة الثقافية العالية لمصلحة الإنسانية جمعاء. ومنذ ذلك الوقت وعلى مدى أحد عشر عاما ذلل تصميمك كل العقبات ومكننا إيمانك بالتعاون الدولي من القيام معا بهذا المشروع, ومن إتمام ما كان يبدو لأول وهلة يوتوبياً. وأنا لا أعني الأحجار العريقة التي تم إنقاذها بقدر ما أعني الاستجابات الجديدة التي تشكلت في عقول الناس وفي قلوبهم. لقد أصبح الحلم حقيقة وفكرة التراث الثقافي المشترك للإنسانية ـ تلك الفكرة التي كانت بالأمس مجرد تصور غامض ـ اتخذت منذ هذه اللحظة فصاعدا شكلا أكثر تحديداً في الضمائر بينما أعطى التعاون العالمي برهاناً ساطعا على فعاليته).
ألا ما أبعد هذه الصورة الرفافة بعد إنقاذ معبد فيله ـ آخر معابد النوبة ـ عن الوضع الذي شهده بيير لوتي في مطلع هذا القرن حين ظنها تسلم أنفاسها الأخيرة, والماء يعلو رويدا رويدا ليبتلع كل يوم مزيدا من جسدها العملاق. غير أن ثورة يوليو 1952 التي أقامت السد العالي لم تشأ لهذا الجزء من حضارة الوطن أن يندثر أو أن يتخطفه ملك الموت في زحمة انشغالها بهموم المصريين. فلم يكد جسد السد العالي يكتمل حتى هرعت نفس الأيادي وبنفس الحماسة لتركز أسوار الحديد الهائلة حول الجزيرة لتعصمها من الطوفان, ثم لتسحب المياه من تحت قدمي إيزيس وتصعد بها بعد ذلك إلى قمة جزيرة إيجيليكا كي ترفرف من جديد راية من رايات الحضارة الإنسانية خالدة. ليت بيير لوتي يبعث من موته ليشهد بعينيه كيف بعثت إلى الحياة معابد فيله, وإذن لأضاف إلى كتابه ـ كما تنبأت ـ خاتمة بعنوان (بعث فيله), فلم تكن اللحظة التي شاهدها لوتي هي لحظة (موت فيله) بل كانت لحظة التأهب للعودة إلى الحياة من جديد.
كم أحس اليوم بالرضا كله حين أرى هذا المشروع الضخم الذي سعيت إليه يوما, والذي استغرق أعواما أحد عشر ينتهي إلى ما انتهى إليه من نجاح. لقد كان من بين مشروعات الوزارة كلها أكثرها إلحاحا عليّ, حتى لقد كان طوال هذه السنوات محط اهتماماتي, فكانت كثرة أسفاري في مناحي العالم المختلفة من أجله, وأكثر لقاءاتي مع أهل الثقافة والسياسة العالميين في سبيله. لم تشغلني مشكلات الحقل الثقافي رغم إلحاحها وكثرتها وتعقدها عنه, ولم تصرفني ليلة عن متابعة خطواته, فقد جعلت منه مسئوليتي الأولى بقدر ما كان أملي الذاتي. وكنت شديد الإيمان بالنجاح يشدني إلى ذلك إصرار بأن عليّ واجبا يدفعني مع غيري لأن نحفظ للأجيال القادمة أثراً من أعظم ما أنجزته أيدي آبائنا الأولين, أقاموه يوم كانت البشرية تتلمس طريقها نحو مأوى تسكنه في كهوف الجبال, وكانت مصر تنحت للخلود معابد تسكن فيها الروح وتحيل الصخر إلى متحف للفن والجمال. وما من شك في أن هذا المعنى هو الذي حدا بمن تعاونوا معنا لبذل أقصى التضحيات لتحقيق هذا الأمل النبيل.



النوبه عبر التاريخ




(التعريف بالنوبة )أين تقع بلاد النوبة وماحدودها في مختلف العصور التاريخية .وما الأسماء المترادفة التي أطلقت عليها وعلي شعبها ومدلول تلك الأسماء .وما الجنس البشري وما الأطوار السياسية والدينية والاجتماعية التي مرت بها عبر تلك العصور المتعاقبة .وما الجنس البشري الذي سكن تلك البقعة من وادي النيل .وما علاقتة بفراعنة مصر والشعوب التي عاصرتهم علي في تلك الحقبة الزمنية.
أولا الموقع :
تقع بلاد النوبة علي ضفتي نهر النيل جنوبا من مصر إبتداء من مدينة أسوان حتي أعالي النيل وقد تمتد إلي منابعة حسب تعريف العصور القديمة حيث عجز المصريين القدامي عن تحديد بقعة معينة كحدود جانبية لها في ذلك الزمن المبكر . وذلك لعدم إمكانية الإنتقالات حينذاك .
اما في العصور الحديثة فقد اقتصر إسم النوبة علي المنطقة الواقعة علي ضفتي نهر النيل فيما بين أسوان شمالا ومنطقة الدبة الواقعة في اقصي جنوب دنقلة جنوبا .وهذه المسافة تزيد عن ألف ميل طولا.

لكن تغيرت هذه الحدود في عصر الأستعمار .فبعد موقعة التل الكبير عام 1882 أحتل الإنجليز مصر ثم
السودان باعتبارة تابعا لمصر .وتلي ذلك قيام الثورة المهدية في السودان بقيادة المجتهد محمد أحمد المهدى والتي نجحت في طرد الإنجليز من السودان .ثم اتجهت شمالا لاستكمال تطهيربقية وادي أرض النيل من الإحتلال الاجنبي ولكنها هزمت في موقعة توشكي غرب الواقعة علي مسافة حوالي 250 ميلا من أسوان جنوبا وذلك في 3/8/1889م فاسترد الإنجليز السودان .
وفي عام 1899 عمل الانجليز علي فصل السودان عن مصر بوضع حدود جديدة بينها عند خط عرض 22شمالا والذى يمر علي مسافة حوالي 330 ميلا جنوبا من أسوان بين قريتي أدندان علي الضفة الغربية ليشطر بذلك بلاد النوبة غلي شطرين فوقعت قرية أدندان علي الحدود الجنوبية لمصر بينما وقعت فرس علي الحدود الشمالية للسودان . ومنذ ذلك الحين أنتسب كل شطر منها الي الدولة التي تتبعها .ونشأ بذلك لفظى النوبة المصرية والنوبة السودانية.

.ثانيا: الأسماء المترادفة التي اطلقت علي النوبة عبر التاريخ كل منها يحمل معني وهذه الأسماء هي
النوبة- كوش – اثيوبيا – تاستى أوتاكنس- مازوي – ارض المعدن وكلها مرادفة لاسم النوبة
النوبة: وهو الاسم الاصلي والشائع في جميع العصور التاريخية ومعناة الذهب باللغة المصرية والنوبية القديمة
والاسم علي مسمي حيث كانت بلاد النوبة منبعا لمعدن الذهب في قديم الزمان.
حيث كانت جبالا مغطاة بهذا المعدن النفيس.
●كوش:وهذا الاسم مرادف لاسم النوبة نسبة إلي كوشييم جد النوبة والنوبين وهو اخو مصراييم جد المصريين وكلاهما ولدا حام بن نوح علية السلام ، حيث استقر كوشاييم في النوبة بينما استقر مصراييم في مصر
● أثيوبيا
:وهذا الاسم أطلقة مؤرخو وجغرافيو الإغريق القدامى مرادفا لاسم النوبة .فالإغريق هم رواد الجغرافية والتاريخ .وهذا الاسم ثبت خطأة لان لفظ اثيوبيا يطلق علي الحبشة حاليا ويبدو انهم لم يكونوا يقصدون الحبشة كما ساء فهم الجغرافيين والمؤرخين المحدثين لان لفظ اثيوبيا في لغة الاغريق يعنى ذوي البشرة السوداء أو ذوى الوجوة السوداء وبذلك كانوا يقصدون باللفظ ارض السود وخاصة انهم لم يتح لهم الوصول الي الحبشة في ذلك الزمن المبكر حيث كانت وسائل الانتقالات معدومة.
●تاستى أوتاكنس:وهذا الاسم يعنى ارض القوس أو أرض رماة القوس نسبة الي مهارة النوبين في استخدام القوس وقد ادرك الملك الفرعوني احمس (1570-1546ق.م) مؤسس الاسرة الثامنة عشر الفرعونية هذه الميزة في النوبيين فاستعان بهم في طرد الهكسوس من مصر . وهذه الصفة في النوبيين ادركها العرب المسلمون في صدر الاسلام عند محاولتهم فتح النوبة في القرن السابع الميلادي (640م) حينما واجهوا رماة النوبة المهرة في رمي الاقواس والنيل في حدقة العين ولا يخطئوا فأطلقوا عليهم رماة الحدق.
●مازوى:وهذا الاسم أيضا من صفات النوبة ويعني الجندي باللغة الفرعونية وهو كتابة عن جنود النوبة
● ارض المعدن :وهذا اللفظ اطلقة العرب علي النوبة وعلي رأسهم المؤرخ العلامة المسعودى صاحب كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهروالاسم كناية عن وجود معدن الذهب في النوبة.
●أرض البقط:وهذا الاسم اطلقة العرب علي النوبة نسبة الي معاهدة البقط التي تمت بين العرب المسلمين والنوبة في القرن السابع الميلادي .



ممالك النوبه فى العصور القديمه
مملكة نبتا :
ظلت النوبة تلعب دورها الحضاري والسياسي والاجتماعي والديني في منطقة النيل الاوسط منذ أقدم العصور التاريخية فد تمتد الي اكثر من خمسة الاف عام فبل الميلاد الي ان قامت مملكة عرفت بمملكة نبتا نسبة الي عاصمتها مدينة نبتا بالقرب من مدينة دنقلة الحالية والتي اصبحت لها شخصية قوية ذات كيان سياسي وعسكرى واقتصادي في وادي النيل منذ نهاية القرن التاسع وبداية القرن الثامن قبل الميلاد
واصبحت لها قوة عسكرية ضارية بفضل زعمائها الاشداد مثل ملك الارار ثم الملك كاشتا ثم الملك بعنخى والاخير هو اقوي ملوك النوبة ومؤسسها الحقيقي الذي عمل علي ترصيد بلاد النوبة التي كانت من قبل عبارة اقطاعات .بينما اخذت مصر في طور الضعف والانحلال بعد زوال اسرة الرعامسة منذ الاسرة الواحد والعشرين (1085-950ق.م) حيث استولي عليها عناصر ليبية من المعروفين بالماشاوش بقيادة ملكهم شاشانق الاول . واللذين ظلوا يحكمون مصر من خلال الاسرات 21,22.23 حتى دبت الخلافات والنزاعات الهدامة بين امرائها
.وانقسمت خلالها الي اكثر من 21 ولاية أو امارة متنازعة .ولما بلغ الملك النوبى بعنخى خبر عن احوال مصر في ظل ملوكها الماشاوش والتي اصبحت بذلك مطمعا للدول الاجنبية اقسم بعنخي بحياة ابية وحياة الالهه آمون ان يضع حلا لتلك النزاعات الهدامة لكونة احق بحكم وادى النيل عن أولئك الدخلاء في وادى النيل وان يقيم امبراطورية بعد توحيد شطرى وادي النيل (مصر والنوبة)ليعيد بذلك امجاد اسلافة .فجمع جيشة واقتحم مصر من الجنوب فوقعت كل تلك الامارات المصرية
المتنازعة الواحدة تلو الاخرى تحت سلطانة حتى وصل الى اقصي شمال مصر واصبح علي مشارف مدينه اورشيليم (بيت المقدس ) حاليا فانتهز ملكها قربة منة فاستعان بة على من عادة من الاشوريين اللذين كانوا يستعدون للاستيلاء على املاكة.بعد هذا النصر العظيم للملك النوبى بعنخى نظم شئون الامبراطورية المصرية النوبية وكون الاسرةالخامسة والعشرين ضمن سلسلة الاسرات الفرعونية التي عرفت في المصادر التاريخية بالاسرة النوبية أو الاسرة الاثيوبية التي حكمت الامبراطورية لمدة خمسة وتسعون عاما (751-656ق.م)وقد عرف عصر هذه الاسرة بعصر اليقظة في وادى النيل .


هذا وقد خلف الملك بعنخي في حكم الامبراطورية المذكورة أولادة أولهم الملك شباكا (716-701ق.م) ثم الملك شبثاكا ثم الملك طهراقا (690 -664) ثم الملك تانوت أمون (663-656ق.م ) وهو آخر ملوك الامبراطورية النوبية المصرية والاسرة الخامسة والعشرين .وكان تظآمر بعض آمراء مصر بالاتفاق مع الاشوريين الطامعين في مصر سببا في انهيار تلك الامبراطورية
كانت مدينة منف في مصر الوسطي مقرا لحكم الاسرة الخامسة والعشرين النوبية .وكانت تتبادل معها في هذا الشأن مدينة طيبة (الاقصر حاليا)لكونها مقرا للمعبود آمون غله الامبراطورية .ولكن بعد انهيارها عادة مدينة نبتا أو نباتا مقرا للحكم للمرة الثانية وظلت حتي مطلع القرن السادس الميلادي او بعدة بقليل .وقامت في مصر الوسطي اسرة فرعونية جديدة بزعامة الملك بسمتك.الذي كون الاسرة السادسة والعشرين الفرعونية بعد رحيل الاسرة النوبية
مملكة مــــروى:
بعد اضمحلال مملكة نباتا قامت علي إنقاضها مملكة نوبية آخرى عرفت بمملكة مروي التي عرفت باسم عاصمتها مدينة مروي الي الجنوب قليلا من مدينة نباتا أى بالقرب من الشلال الرابع وذلك في حوالي عام 350 ق.م والتي ظلت تؤدي دورها الحضاري بالنوبة ما يقرب من سبعمائة عام او يزيد قليلا (350-356) وقد عاصرت خلالها حكم البطالة في مصر(334-31 ق.م) ومن بعدهم الحكم الروماني في مصر ايضا (31ق.م-640 ق.م)وكان لها دور بارز في مقاومة التدخل الاجنبى في مصر وفي شئون النوبة من جانب البطالمة والرومان الذين كانوا يعتبرون النوبة السفلى منطقة نشر نفوذهم وبذلك قامت بين الطرفين عدة معارك حربية
وكان من أهم مميزات الحكم المروي ظهور العنصر النسائي في الحكم حيث حكمها عشرون ملكة من جملة ملوكها البالغ عددهم ستون ملكا .وكان من ابرزهن الملكة رينسانس التي عرفت بالملكة كنداكة( وكنداكة هو اللقب الملكي لملكات المروي )والتي عاصرت اطمع الرومان في مصر العليا والنوبة السفلي حيث وقعت عدة معارك حربية بينهم وبين الرومان انتصرت خلالها (في عام 23 ق.م )في قرية الدكة التي كانت تسمي باسم بلسيكس .وتقدمت حتي مدينة طيبة الاقصر لكنها انهزمت في النهاية ثم انتصرت سياسيا حين ارسلت رسلها الي الامبراطور الروماني حيث تم الصلح بين الطرفين فنالت من خلالة حق النوبة.
وقد اضمحلت مملكة مروي هذه بعد أن بدأت المسيحية تنتشر في النوبة حيث هاجمها ملك أكسوم الحبشى وهزمها والقي بتماثيلها الوثنية في نهر النيل وقطع بذلك دابر الوثنية في بلاد النوبة في عام 356م



ممالك النوبة المسيحية
:بسقوط مملكة مروي الوثنية وانتشار المسيحية في وادي النيل قامت بالنوبة ثلاث ممالك مسيحية هي مملكة نوباديا ,مملكة مقرة ,مملكة علوة
مملكة نوباديا:
قامت هذه المملكة قديماً بين الشلالين علي النيل الاول والثاني .واتخذت عاصمتها نجراش وهي فرس الحالية التي تقع علي مسافة 320 ميلا تقريبا من اسوان جنوبا علي ضفة النيل الغربية والتي تعد اول قرية نوبية سودانية من الشمال حاليا .وان بادلتها احيانا قريتي كلابشة وابريم في الاهمية .وهذه المملكة لم تدم طويلا لاتحادها مع مملكة مقرة التي تليها من الجنوب
مملكة مقرة أو ماقرة المسيحية:
وهي المملكة النوبية الثانية من جهه الشمال وتبدأ بنهاية حدود مملكة نوباديا وتمتد حتي بلدة ابو احمد التى كانت انذاك تعرف بالابواب وعاصمتها مدينة دنقلة الحالية وقد كانت لهذه المملكة شأنا عظيما في العصور الوسطي
وخاصة بعد اتحادها مع مملكة نوباديا المذكورة قبيل ظهور الاسلام وعرفت المملكة المتحدة باسم مملكة النوبة وظلت عاصمتها مدينة دنقلة .وهي التي شهدت ظهور الاسلام منذ نهاية القرن السادس ومطلع القرن السابع الميلاديين وواجهت الفتوحات الاسلامية في صدر الاسلام علي حساب الدول المسيحية المجاورة من اهمها مصر الرومانية .


ومن هذا المنطلق وقفت موقفا متشددا حين حاول المسلمون فتح بلاد النوبة في عام 20 م /640م بعد ان تم لهم فتح مصر
وقد استمرت المحاولة عشر سنوات (20م/640م-31م -651م)ذاق خلالها الطرفين معارك ضارية لم يشهدها المسلمون من قبل . حبث واجهوا مهارة النوبين في رمي القوس والنبل حتي فقد معظم محاربي المسلمين حدقات اعينهم في تلك المعارك ولذلك اطلقوا علي النوبين اسم رماة الحدق . وقد شهد احد قادة المسلمين ممن اشتركوا في تلك المعارك الضارية فقال (شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب فلم ار قوما أحد في الحرب منهم لقد رأيت أحد يقول للمسلم أين تحب أن أضع سهمي منك فربما عبث الفتى منا فقال في مكان كذا فلا يخطئة . فكانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرمي من نبلهم في الارض شيئ فخرجوا الينا ذات يوم فصادفونا ونحن نريد ان نجعلها حملة واحدة بالسيوف .فما قدرنا علي معالجتهم .رمونا حتي ذهبت الاعين فعدت مائة وخمسون عين مفقودة فقلنا ما لهؤلاء خير من الصلح إن سلبهم لقليل وان نكايتهم لشديدة.فلم يصالحهم عمرو .ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولي عبدالله بن سعد بن ابي صرح فصالحهم


●معاهدة البقط:
كان من نتيجة عجز المسلمين عن فتح بلاد النوبة ان عقدت بين الطرفين معاهدة عرفت بمعاهدة البقط تجلت فيها المساواة بين الجانبين ولذا تعتبر هذه المعاهدة بمثابة معاهدة اقتصادية أكثر منها عسكرية .فهي لم تكن بين غالب ومغلوب . فقد نصت علي ان تورد النوبة بموجبها 360 رأساً من الرقيق سنويا للمسلمين مقابل ذلك يورد المسلمون للنوبة بعض المحاصيل من المنتجات المصرية مثل القمح والشعير والزيت والاقمشة وخلافة .وبذلك تكون معاهدة البقط تمثل تبادل مصالح بين الطرفين .ولذلك ظلت اساسا للعلاقات بين مصر الاسلامية والنوبة زهاء سبعمائة عام (640 -13170) فهي اول وأطول معاهدة في تاريخ الفتوحات الاسلامية من حيث الكم والكيف لان المسلمين ما من دولة طرقوا ابوابها الا وفتحوها عنوة وفرضوا شروطهم الاسلامية من اهمها الجزية . هذا وقد سارت جميع الدول الاسلامية التي تعاقبت علي مصر الاسلامية في علاقتها مع النوبة طبقا لما نعت عليها معاهدة البقط منذ عصر الخلفاء الراشدين ثم العصر الاموي ثم العصر العباسى ثم العصر الفاطمي ثم العصر الايوبي واخيرا العصر المملوكي التي ساءت العلاقات بين البلدين خلالها

●مملكة علوة النوبية المسيحية :وهي المملكة النوبية الثالثة .وتبدأ حدودها بنهاية حدود مملكة مقرة النوبية المذكورة من الجنوب وتمتد حتي أعالي النيل وعاصمتها سوبا الي الجنوب قليلا من مدينة الخرطوم الحالية وبالرغم من ان هذه المدينة قد ذكر اسمها في معاهدة البقط المذكورة الا انها لم تكن لها علاقة مباشرة مع العرب المسلمين اللذين طرقوا ارض مملكة مقرة .ويرجع ذلك الي بعدها وان ورد قليل من اخبارها في العصر الفاطمي في مصر . حتي كان كان سقوطها في ايدي القوم اللذين عرفوا بالفونج منذ عام 1504 واللذين قاموا علي انقاضها مملكتهم التي عرفت بمملكة الفونج الاسلامية
مملكة بني الكنز الاسلاميه
ظهرت هذه المملكة عقب سقوط مملكة مقرة النوبية المسيحية في دنقلة نتيجة سوء العلاقات بينها وبين المماليك في مصر منذ عهد الملك النوبي داوود الاول (1272-1273م) الذي منع اداء البقط المقرر علي النوبة بل قام بغزو مصر من الجنوب مما دفع المماليك الي القيام بحملات عسكرية متكررة لردع ملوك النوبة حيث تم خلالها عزل اكثر من ملك نوبي واستبدالة بملك نوبي آخر طبقا للسياسة المملوكية في مصر حتي كان عهد الملك النوبي كرنبس (1312 -1317) وهو آخر ملوك النوبة المسيحية الذي تم عزلة وتنصيب ابن اختة المسلم المدعو شجاع الدين بن نصرالدين بن فخر الدين الذي ينتمي الي بني الكنز.


وكان الاخيرون (بنو الكنز) قد اقاموا مشيخة او امارة اسلامية داخل مملكة النوبة المسيحية متخذين وادي العلاقي في النوبة السفلي علي مسافة 110 ميلا جنوبا من اسوان مقرا لحكمهم وذلك منذ العصر الفاطمي في مصر (358هـ-969 م) وازدهرت امارتهم في تلك المنطقة نتيجة استغلالهم مناجم ذهب النوبة الي ان جاء صلاح الدين الايوبى الي مصر في عام (567هـ-1171م) وشتت شملهم نتيجة وقوفهم الي جانب الفاطميين في صراعهم ضد الايوبيين مما جعل بني الكنز ان يتوغلوا جنوبا الي قلب العاصمة النوبية دنقلة كما كان اشتراك هؤلاء الكنوز في الحملات المملوكية المتكررة علي النوبة كما سبق الذكر (كأولاء) بمسالك النوبة ودروبها مما ثبت اقدامهم في العاصمة النوبية حيث تصاهروا عن طريق التزاوج مع وجوه النوبة وخاصة مع الاسرة المالكة النوبية مما جعلهم يرثوا العرش النوبي ولاسيما ان نظام الارث في النوبة كان يعطي الحق لابن البنت وابن الاخت ان يرث جدة او خالة دون ولد صلب .كما كان المولود ينتسب الي امه وليس الي ابية. منذ عزل ملك النوبة المسيحي كرنبس وتعيين ملك كنزي مسلم في عام (717هـ -1317م ) علي العرش النوبي ،
بدأت النوبة تتحول الي الاسلام من الناحية الرسمية ،وتعاقب علي عرشها ملوك مسلمون من بنى الكنز حتي كان العصر العثماني في مصر منذ عام 1517م وبذلك تكون دولة الكنوز النوبية الاسلامية عاشت مائتي عام بالتمام (1317-1517م) وان كانت قد عمت خلالها الفوضي نتيجة النزاعات القبلية من جراء نزوح العديد من القبائل العربية المختلفة الي النوبة لمشاركة بنى الكنز في ملكهم فضلا عن الاطماع الخارجية لامتلاك بلاد النوبة . منها اطماع العثمانيين من الشمال واطماع الفونج من الجنوب وبذلك وقعت النوبة بين فكي كماشة كما يتضح مما يأتي



النوبة والاتراك والعثمانيين:
كان سقوط مصر في يد الدولة العثمانية في عام 1517م بقيادة السلطان سليم الاول بعد تغلبة علي الدولة المملوكية التي كانت تحكم مصر إيذاناً بضم بلاد النوبة الي ممتلكات مصر العثمانية . وكان السلطان سليم الاول قد تنبه بمجرد ان وطأت اقدامة ارض مصر ان هناك منافسا آخر في ارض النوبة العليا يطمع هو الاخر في ضم بقية بلاد النوبة الي ممتلكاتة الا وهو الملك عمارة دونقس ملك مملكة الفونج الاسلامية الذي اقام دولته في النوبة العليا على انقاض مملكة علوة المسيحية منذ عام 1504م واتخذ عاصمته في مدينة سنار جنوباً من مدينة الخرطوم الحالية قليلاً.

ارسل السلطان سليم الاول جنودة البشناق (وهو تحريف للفظ البوسنة بالتركية ) الي بلاد النوبة في عام 1520 م لحماية حدودها الجنوبية وفي نفس الوقت كان جنود عمارة دونقس ملك الفونج متجهين شمالا لضم بقية بلاد النوبة الشمالية .والتقي الجيشان في بلدة تعرف باسم حنك في اقصي جنوب بلاد المحس قرب الشلال الثالث حيث وقعت معارك دامية بين الجيشين وانتهت بانتصار العثمانيين علي الفونج واقيمت بينهم معاهدة صلح اصبحت بموجبها مدينة حنك فاصلا بين النوبة العثمانية والنوبة الفونجية

.منذ ذلك الحين اصبحت احوال بلاد النوبة قائمة علي هامش التاريخ .اي ليس هناك تغيرات سياسية تذكر سوي صراعات قبلية بين العناصر النوبية الاصلية و للعناصر الداخلية المتمثلة في جنود العثمانيين البشناق وهم من البوسنة والهرسك الذين عرفوا فيما بعد بالكشاف .والاخرين كانوا يعتمدون علي السلطة العثمانية لكونهم جباة الضرائب من النوبيين لحساب السلطان العثماني وقد كانوا يستخدمون القسوة احيانا في هذاالشأن .
أما في النوبة العليا (الفونجية) حيث كان الصراع علي اشدة

بين اهل البلاد الاصليين الممثلة في بقايا كنوز دنقلة وهم بقايا ملوك النوبة من جهة والقبائل العربية النازحة الي هناك والمتمثلة في العبدلاب وغيرهم من جهه أخري وقد نتج عنها قيام مشيخات إسلامية عديدة مثل مشيخة العبدلاب الذين تحالفوا في اول الامر مع الفونج ومجموعة الجعليين ومجموعة الشايقية ومجموعة الركابية وغيرهم الذين انتشروا في اقاليم النوبة العليا بعد سقوط مملكتي النوبة المذكورتين .

وهكذا ظلت بلاد النوبة علي هذه الحال الي ان جاء محمد علي باشا علي حكم مصر في عام 1805م  وشرع في فتح بلاد النوبة العليا في عام 1821م التي اطلق عليها بلاد السودان في سجلات محمد علي وخلفائة وبذلك تكون جمهورية السودان الحالية جزء من بلاد النوبة القديمة بل وهي النوبة العليا واسم السودان هو اسم مستحدث في عصر محمد علي باشا وظهرت شخصيتها كدولة ذات كيان مشتعل منذ الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882م عقب موقعة التل الكبير وتبع ذلك احتلال السودان ايضا باعتبارة تابعا لمصر منذ الفتح المصرى له علي يد محمد علي باشا كما اسلفنا الذكر . وقد عمل الانجليز علي فصال السودان عن مصر
بعد هزيمة حملة دراويش السودان من الانجليز في موقعة توشكي في 3/8/1889 وتم لهم استرداد السودان مرة اخري في عام 1899م حيث وضعوا الحدود الفاصلة بين الدولتين (مصر والسودان) عند خط 22ْ شمالا والذي يقع بين قريتى ادندان وفرس النوبيين كما اسلفنا الذكر وبذلك اصبحت مدينة فرس سودانية وقرية ادندان مصرية